من أراد النجاة من الفتن في الدنيا والآخرة، فليقف مع نفسه اليوم قبل غد، يحاسبها ويصلحها ويزكِّيها، واللهِ لا يسعد النفس ولا يزكيها، ولا يُذهِب همَّها وغمَّها وحزنها وألمها إلا الإيمان بالله رب العالمين. ينبغي للمسلم أن يكون شعاره شعار الفاروق عمر: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا …”.وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبادر بالأعمال قبل أن يفاجَأنا هذا اليوم؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بادروا بالأعمال سبعًا؛ هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيًا، أو غِنًى مُطغيًا، أو مرضًا مُفسدًا، أو هِرَمًا مُفنِّدًا، أو موتًا مُجهِزًا، أو الدجال؛ فشرُّ غائبٍ يُنتظَر، أو الساعة؛ فالساعة أدهى وأمَرُّ؟”؛ الترمذي. فينبغي للعاقل أن يكون له في يوم ساعة يحاسب فيها نفسه، كما يحاسب الشريك شريكه في شؤون الدنيا، فكيف لا يحاسب الإنسان نفسه في سعادة الأبد وشقاوة الأبد؟!. كان داود الطائي يحاسب نفسه قائلًا: “يا داود، من خاف الوعيد، قصر عليه البعيد، ومن طال أمله، قصر عمره، وكل ما هو آتٍ قريبٌ، واعلم يا داود أن كل شيء يشغلك عن ربك، فهو عليك مشؤومٌ، واعلم يا داود أن أهل الدنيا جميعًا من أهل القبور إنما يفرحون بما يقدمون، ويحزنون بما يقصرون”. ما أحوجنا لنقف مع أنفسنا وقفات جادة صادقة! ما أحوجنا في زمن الفتن أن نُقبِلَ على الله، لنعترفَ بتقصيرنا بين يديه! فرصة لنعرض حوائجنا له سبحانه؛ فهو أرحم بنا من الوالدة بولدها. فمن منا لم يذنب؟ ومن منا لم تقع عينه فيما حرم الله؟ ومن منا لم يعُقُّ والديه؟ ومن منا لم يقع في مستنقع الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء؟ ليس العيب أن نخطئ، ولكن العيب أن نستمر في الخطأ دون محاسبة ورجوع صادق إلى الله سبحانه وتعالى. هل هناك أرحم من الله؟ هل هناك أكرم من الله؟ لا وألف لا، إذًا فهيا نمشي معًا إلى الأمام، فهيا بنا جميعًا نُقبِل إليه سبحانه؛ فمهما بلغت الذنوب، فالله سبحانه يبدلها حسنات إذا صدقناه في التوبة، وفي محاسبة أنفسنا. قال احد الحكماء لابنه: “يا بني، لا تشغل قلبك من الدنيا إلا بقدر ما تحققه من عمرك، ولتكن جرأتك على المعاصي بقدر صبرك على النار، وإذا أردت أن تعصيَ الله، فانظر موضعًا لا يراك الله فيه، وانظر إلى نفسك، فإن كانت عزيزة فلا تذلَّها، وإن كانت ذليلة فلا تزدْها إلى ذلها ذُلًّا”.
موقع إسلام أون لاين