كيف تقضي علي  الفتور بعد مواسم الطاعات

  كيف تقضي علي  الفتور بعد مواسم الطاعات

 

حالةٌ تصيبُ كثيرينَ منّا بعد مواسمِ الطاعاتِ فبَعدَ الهمةِ العاليةِ والإقبالِ على الله يبدأ بضعفٍ وقصورٍ، الفتورُ عن الطاعة لم يسلم منه حتى بعضُ الصالحين..بل هو مدخلٌ من مداخلِ الشيطانِ إليهم، بل إن نَفَس الشيطانِ فيه طويلٌ، وكيدَه في الإصابةِ به متنوع، حتى يقتنعَ صاحبُه أنه فيه على حق، وأنه كان على خطأ أو تطرف. و هذا الداءُ قد يَتقَمَّصُ في نفس المصاب به شخصيةً أخرى، وهي الكآبةُ أحيانًا أو الحيرةُ، أو الخوفُ، أو الانطواءُ أو نحو ذلك.. وما ذاك إلا لأن العبد الصالح المداوم على الطاعة غرضٌ كم تمنى الشيطان أن يصيبَه بسهمه المسموم؟!!، ليرديه قتيلَ الضعفِ الممقوت، والانتكاسةِ المهينة. ولكن ما أهونَ هذا الشيطان وما أقلَّ حيلته وما أضعفَ كيده إذا واجهه المؤمن بسلاحِ الإيمان فراجع أسبابَ ضعفَ إيمانه، ونظرَ في عللَ فتورِه وتقصيرِه، واتخذَّ من أسبابِ الثبات على دينه ما ينصرُه على الشيطان في هذا الصراع العنيف..

فمن فقهِ العبد كما قال أبو الدرداء: أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم: أيزداد هو أم ينتقِص؟ فضعف الإيمان في القلب من أخطر أسباب الفتور: لأنه وَرَدَ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: القلبُ مَلِكُ الأعضاء، والجوارحُ جنودُه ورعاياه، فإن طابَ الملك طابت الجنودُ والرعايا، وإن خَبُثَ الملك خبثت الجنودُ والرعايا. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكر – أي العلم – وفي أوقات الخلوة. ويقول شيخ الإسلام: إذا لم تجد للعمل حلاوةً في قلبك وانشراحاً فاتهمه، فإنَّ الرَّبَ تعالى شكورٌ، يعني لابد أن يثيبَ العاملَ على عملِه في الدنيا، من حلاوةٍ يجدُها في قلبه، وقوةٍ وانشراحٍ وقُرّةِ عينٍ، فحيث لم يجد ذلك فعملُه مدخول. قال ابن القيم رحمه الله: اعلم أن العبدَ إنما يقطع منازلَ السيرِ إلى الله تعالى بقلبه وهمتِه لا ببدنه، فالتقوى في الحقيقة تقوى القلب لا تقوى الجوارح.. قال جل وعلا: ” وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ” التغابن: 11، فهداية القلب ثمرةٌ للإيمان، ولو هدى الله قلبك استقامت جوارحك كلها على الطاعة.