إنَّ التقوى تُوقِّي ما يَضُرُّ في الدُّنيا والآخرة، فَمَنِ اتَّقى ما يَضُرُّه في دينه: فعليهِ أن يتَّقي ما يَضُرُّه في بدنه، ولا يَتِمُّ صلاحُ العبدِ في الدَّارينِ إلا باليقينِ والعافيةِ، فاليقينُ يَدفعُ عنه عُقوباتِ الآخرةِ، والعافيةُ تَدفعُ عنهُ أمراضَ الدُّنيا في قلبهِ وبَدَنهِ، قال ابنُ القيِّم: “ولَمَّا كانتِ الصِّحَّةُ والعافيةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ على عبدِهِ، وأجزلِ عَطَاياهُ، وأوْفَرِ مِنَحِهِ، بلِ العافيةُ الْمُطْلَقةُ أجَلُّ النِّعَمِ على الإطلاقِ، فحقيقٌ لِمَنْ رُزِقَ حَظَّاً من التوفيقِ مُراعاتُها وحِفْظُها وحِمايَتُها عمَّا يُضادُّهَا” انتهى، قال صلَّى الله عليه وسلم: “نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصِّحَّةُ والفَرَاغُ” رواه البخاريُّ، وعن العبَّاسِ بنِ عبدِ الْمُطَّلِبِ قالَ: قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ عَلِّمْني شيئاً أسْأَلُهُ اللهَ عزَّ وجَلَّ، قالَ: “سَلِ اللهَ العافيةَ”، فمَكَثْتُ أَيَّاماً ثمَّ جِئْتُ فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ عَلِّمْني شيئاً أسْأَلُهُ اللهَ، فقالَ لي: “يا عبَّاسُ يا عَمَّ رسولِ اللهِ، سَلِ اللهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخِرَةِ” رواه الترمذيُّ وصحَّحهُ.
لقد كان أهلُ الجاهلية يعتقدون بأن الأمراض تُعدي بنفسها لا بقدر الله، فنفى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال: “لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ” رواه البخاري ومسلم، وأثبتَ صلى الله عليه وسلم أن العدوى قد تنتقل إذا قدَّر الله ذلك، فعَنْ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: “لا عَدْوَى ولا صَفَرَ، ولا هَامَةَ”، فقالَ أعرابيٌّ: يا رسولَ اللهِ، فَمَا بالُ الإبلِ تكُونُ في الرَّمْلِ كأَنَّها الظِّبَاءُ، فيُخَالِطُها البعيرُ الأجْرَبُ فيُجْرِبُها؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: “فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ” رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: “لا عَدْوَى، ولا طِيَرَةَ، ولا هَامَةَ، ولا صَفَرَ، وفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ” رواه البخاري، ولقد أثبتت البحوث والدراسات الطبية أن دخول الفيروس إلى البدن لا يلزم منه العدوى، لكن مخالطة المصاب من الأسباب وليست كل الأسباب، ولا زال الطبُّ حائراً في مسألة العدوى لم تصيب بعض الأفراد ولا تصيب الباقين وهم في منزل واحد، ومأكلهم واحد، ومشربهم واحد ؟.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الذهاب للبلد الذي فيه الوباء، ونهى عن الخروج من البلد الذي وقع فيه الوباء، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: “الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ على طائفةٍ مِن بَني إسرائيلَ، أوْ على مَنْ كانَ قبْلَكُمْ، فإذا سَمِعْتُمْ بهِ بأرْضٍ، فلا تَقْدَمُوا عليهِ، وإذا وَقَعَ بأرْضٍ، وأنتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا فِرَاراً منهُ” رواه البخاري ومسلم. وهو أصلٌ في الحجر الصحي الذي لم يعرفه العالم إلا على أبواب القرن العشرين، فقد أثبتت الدراسات أن البلد المصاب بالمرض الوبائي إذا خرج منه الإنسان فإنه يَنشر المرض وإن لم يُصب به، فأصبح أول قرار تتخذه الدول التي تُصاب بالوباء، بأن تحجُر على المنطقة الموبوءة. إن من أهم وسائل مكافحة الأمراض: النظافة، فنهى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن الاستنجاء باليمين، قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ‘إذا شَرِبَ أحدُكُم فلا يَتَنَفَّسْ في الإناءِ، وإذا أَتَى الخلاءَ فلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بيمينِهِ، ولا يَتَمَسَّحْ بيمينهِ” رواه البخاري ومسلم، قال ابنُ مُفلح: “ويُكرهُ لكُلِّ أحَدٍ أنْ يَنْتَثِرَ ويُنَقِّي أنفَهُ ووَسَخَهُ ودَرَنَهُ ويَخلَعَ نَعلَهُ ونحوَ ذلكَ بيمينهِ مع القُدْرةِ على ذلكَ بيَسَارِهِ مُطْلَقاً” انتهى، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم وضع اليد أو نحوها على الأنف وقت العطاس، عن أبي هريرةَ: “أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ إذا عَطَسَ غَطَّى وجْهَهُ بيدهِ أوْ بثَوْبهِ وغَضَّ بها صَوْتَهُ” رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحيحٌ.