كونوا عباد الله إخوانًا

كونوا عباد الله إخوانًا

 

قد أرْشد المصطفى صلى الله عليه وسلم أمَّته إلى أهمية التآخِي بينهم؛ فقال عليه الصلاة والسلام “كونوا عباد الله إخوانًا” ولَم يكتفِ عليه الصلاة والسلام بالدعوة إلى الأُخُوَّة، بل امْتَثَلَهَا في حياته، إن ثمرة الأُخُوَّة لا تقتصر على الدنيا فقط، بل يَمْتَدُّ أثَرُها ونَفْعها إلى الدار الآخرة، وهي الدار التي أحْوج ما يكون فيها المرءُ إلى إخوانه وإحسانهم، وهل هناك أعز وأغلى من أخٍ لك لَم تلدْهُ أمك يكون سببًا في الشفاعة لك، وإنقاذك من النار؟!

قال بعضُ السلَف: استكثروا من الإخوان؛ فإنَّ لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة، وشاهد ذلك ما جاء في الصحيحَيْن: “فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون”. و جاء في الأثر: “إن أرواح المؤمنين تَتَزَاوَر في البرزخ” وأما إذا أنْعَمَ الله على الأَخَوَيْن بدخول الجنة، فأُخُوَّتُهم هناك تَخْتلف عن أُخُوَّة الدنيا، فهي أُخُوَّة صافية خالصةٌ، جاءتْ بعد نزع الأحقاد والضغائن التي بقيتْ من آثار الدنيا؛ “وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ” الحجر47.

إنَّ الأُخُوَّة في الله لا تُؤتي أكلها وتجني ثمرتها ما لَم تكنْ في الله ولله، فهي قرينةُ الإيمان لا تَنْفَكُّ عنه؛ ولذا جَمَع الله بينهما في قوله سبحانه “إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” الحجرات 10.

يقول العلامة ابن سعدي رحمه الله “هذا عقدٌ عقَدَهُ الله بين المؤمنين: أنه إذا وُجِدَ مِن أي شخص كان في مشرق الأرض ومغربها الإيمانُ بالله وملائكته وكُتُبه ورسله واليوم الآخر، فإنه أخٌ للمؤمنين، أُخُوةٌ توجِبُ أن يحبَّ له المؤمنون ما يُحِبُّونه لأنفسهم، ويكرهون له ما يكرهون لأنفسهم.

إنَّ العلاقة بين الحبِّ والتآخي علاقةٌ وثيقة لحمتها العقيدة، فكلُّ مَن عقد الله بينك وبينه عقدَ الأُخُوة يستَحِقُّ منك مبادلته بلَوَازِم الحبِّ في الله، وكل مَن يعاملك بالمحبة الإيمانية، يستوجب عليك حقوق الأُخُوة الإسلاميَّة، وإن الميزان الضابط لمفهوم الأُخُوة، والذي لا يتمُّ الإيمان إلا به، ما بَيَّنَه صلى الله عليه وسلم بقوله: “والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسِه من الخير” متفق عليه.