تتابعت سلسلة من الأوبئة العالمية في الأعوام القليلة الماضية، مثل السارس وأنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وهي أمراض لم تكن معروفة من قبل، وانتشرت حينها في مناطق محدودة من العالم. أما الآن فنحن نعيش وباءً، بل جائحة جديدة، لم تسلم منها أي بلاد في المعمورة، وهو مرض تسبب بظهوره فيروس جديد من عائلة الفيروسات التاجية أو كورونا فيروس، وقد حذر أو تنبأ بعضهم من هذا النوع من الأوبئة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان له السبق دائما في التحذير من هذا المرض وغيره قبل أربعة عشر قرنا في حديث الخصال الخمس، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: “يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ” رواه ابن ماجة والحاكم.
وبالموازاة مع انتشار المرض وعدم توفر العلاج المناسب أصبحت الوقاية هي السبيل الوحيد لتفادي انتقال المرض، بإتباع الحجر الصحي المنزلي والنظافة المستمرة – والتي عُرِفت قبل قرون في السُّنة النبوية – وتفادي اتصال واقتراب الأشخاص من بعضهم، ومع كل هذه التوصيات الوقائية لم يسلم آلاف البشر من هذا الفيروس. وكمسلمين تترتب علينا مجموعة من المسؤوليات في مثل هذه الأزمات:
– الرجوع إلى الله والاستغفار والتضرع حتى يكفينا ربنا شرَّ كل الآفات والأوبئة الحاضرة والمستقبلية، كما قال تعالى: ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” الأنعام: 42، 43، وقال تعالى: ” فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ” الذاريات: 50.
– الرجوع والبحث في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن فيهما العلاج والشفاء بإذن الله. فالله هو الشافي الذي قال في كتابه الكريم: ” وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ” الشعراء: 80، وقال تعالى: ” وَإن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ ” الأنعام: 17.
– التداوي، إتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في “صحيح مسلم” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لِكلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ، برأ بإذن اللهِ عَزَّ وجَلَّ”، وفي “المسند” من حديث ابن مسعود يرفعه: ” إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يُنْزِلْ داءً إلا أنزَلَ لَهُ شِفاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ”، وقيل: يا رسول الله هل ينفع الطّبُّ؟ قال: “الذي أنْزَلَ الداء، أنزل الشِّفَاء، فِيمَا شاء”..