كورونا والحرائق أدمت قلوب الجزائريين.. 2021 سنة المصاعب والمتاعب

كورونا والحرائق أدمت قلوب الجزائريين.. 2021 سنة المصاعب والمتاعب

– الجزائريون يستقبلون 2022 بأزمات معيشية متصاعدة

عرف الجزائريون خلال سنة 2021 أوقاتا عصيبة، فقد كانت السنة المنتهية حبلى بالأحداث التي لم تمر مرور الكرام، بل تركت خلفها آثارا جسيمة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

يستقبل الجزائريون عام 2022، وكلهم خوف وقلق من زيادة تدهور الوضعية المعيشية والاجتماعية، جراء انكماش الاقتصاد وموجات الغلاء المتتالية.

تكتوي جيوب المواطنين في البلد مع بداية 2022 بلهيب أسعار مختلف المواد الاستهلاكية والغذائية، ليضاف عبء آخر على الجزائريين المنهكين بتهاوي سعر صرف الدينار، ومع كل تهاوٍ للدينار وارتفاع للأسعار، يتجدد السجال حول القدرة الشرائية للجزائريين، فمنذ بداية أزمة النفط تعرضت جيوب المواطنين للعديد من الامتحانات والضغوط، عبر ارتفاع الضرائب وأسعار الطاقة والمواد واسعة الاستهلاك.

طغت الأحداث السياسية والأزمات الداخلية والخارجية على المشهد العام، وكان مسلسل الحرائق المتزامنة واحدا من أكثر الأحداث حزنا على قلوب الجزائريين، حيث كانت البداية بحرائق ضربت ولاية خنشلة شهر جويلية وأتت على مئات الهكتارات من الثروة الغابية، لكن الخسائر الأكبر، كانت بسبب الحرائق التي ضربت ولايات تيزي وزو، بجاية، البويرة، جيجل وعدة ولايات بشرق الوطن وخلفت وفاة 69 شخصا من بينهم 28 عسكريا.

اليقظة والتضامن لإفشال المؤامرة وتضميد الجراح

تعرضت تيزي وزو صيف 2021 إلى حرائق مهولة أودت بحياة عشرات الأشخاص بين مواطنين وعسكريين، نشبت بالعشرات في نفس الوقت بالجزء الأوسط من الولاية التي تعرضت إلى مؤامرة تهدف الى دفع الجزائر نحو المجهول، أحبطتها يقظة وتضامن الدولة والشعب.

وكانت موجة الحرارة التي شهدتها ولاية تيزي وزو في مطلع شهر جويلية قد دفعت المصالح الولائية سيما مديرية الحماية المدنية ومحافظة الغابات إلى تجنيد كافة وسائل وإمكانيات مكافحة الحرائق، تحسبا لاندلاع أي حريق.

إلا أن اليد الإجرامية كانت أقوى من جميع تلك الوسائل البشرية والمادية وباتت كل الإرادات الحسنة وتجهيزات المصالح المعنية بمكافحة الحرائق، شبه عاجزة أمامها.

فلقد نشب 33 حريقا في نفس اليوم والزمن بالمنطقة الوسطى من ولاية تيزي وزو، التي تتميز بغاباتها الكثيفة التي تنتشر بها قرى ذات كثافة سكانية كبيرة، حيث خلفت في اليوم الأول 6 قتلى وعشرات الجرحى.

وأكد المحافظ المحلي للغابات، يوسف اولد محمد، الذي كان أول من وصف تلك الحرائق بالإجرامية، خلال دورة استثنائية للمجلس الشعبي الولائي خصصت لهذه الكارثة، أن الحرائق المميتة للتاسع أوت قد سجلت في المنطقة الأقل عرضة للحرائق بالولاية.

وانتشرت الحرائق التي نشبت في قلب المناطق الجبلية الآهلة بالسكان، بسرعة النار في الهشيم وساعدتها في ذلك شدة الحر والرياح، وهو توقيت اختاره بالذات مضرمو الحرائق التي حاصرت القرى والمداشر وزرعت الخوف والذعر في أوساط السكان.

فقد أصيب الجزائريون بالصدمة لهول ما تضمنته الصور والفيديوهات التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي نقلت فرار المواطنين المحاصرين بالنار في كل صوب وحدب، من بيوتهم.

وكانت ألسنة النيران تنتشر بسرعة البرق، حاصرت السكان داخل منازلهم ولحقت بآخرين كانوا يحاولون الفرار عبر أحراش الغابات أو وسط البساتين.

وقال أحد شبان قرية اخليجن (الأربعاء ناث ايراثن) بعد أيام من الكارثة: “لم أرَ في حياتي حريقا ينتشر بتلك السرعة”، مضيفا: “كنا نشاهد الحريق الذي نشب في أسفل القرية وفي لمحة بصر وصلت ألسنة اللهب إلى المنازل”.

وتذكّر شاب آخر نجا من الحرائق، كيف اختفى وراء إحدى المركبات المتوقفة على الحافة لكي يحمي بنات أخيه الاثنتين، متابعا: “لقد انتشرت ألسنة اللهب بسرعة لم أكن أتوقعها، وشعرت بحرارة لم أعرفها أبدا من قبل وألم شديد لا يوصف، كنت أظن أننا أصبحنا في عداد الموتى”.

ولما بلغت النيران أعلى الطريق، حاصرت العائلات التي كانت تحاول الفرار إلى قرية مجاورة، حسب شهادات بعض سكان ايخليجن الذين شاهدوا بأم أعينهم بعض أقاربهم يفارقون الحياة من بينهم بعض الأطفال.

وتكبد قطاع الفلاحة خسائر فادحة، وتشير آخر حصيلة تلقتها “وأج” من المديرية المحلية للمصالح الفلاحية إلى أن حرائق الصيف الأخير قد أتت على حوالي مليوني (02) شجرة زيتون وأكثر من 810.000 من الأشجار المثمرة الأخرى.

يضاف إلى كل ذلك خسارة 778 رأسا من الأبقار وأزيد من 4200 من الأغنام و3200 من الماعز و140000 من الدجاج الموجه لإنتاج اللحوم و25000 دجاجة موجهة لإنتاج البيض، علاوة على 8000 أرنب وزهاء 31.000 خلية نحل مملوءة.

 رد فعل سريع لإحباط المؤامرة ومساعدة المتضررين

لمواجهة آثار الكارثة غير المسبوقة، تولدت هبة تضامنية من الجهات الرسمية ومن الشعب الجزائري برمته، من أجل المساعدة في عمليات إخماد الحرائق والتكفل بالعائلات المتضررة التي وجدت نفسها بين عشية وضحاها منكوبة وفقدت كل ما تملك.

وجندت الدولة كل مصالحها ومؤسساتها، المدنية والعسكرية، من أجل مساعدة المنطقة التي راحت ضحية مؤامرة من جهات أرادت من خلال الحرائق الإجرامية، زعزعة استقرار الجزائر.

فقد أعلن الوزير الأول وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمن، الذي زار ولاية تيزي وزو، أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد أنشأ صندوقا خاصا لتعويض المتضررين من حرائق الغابات التي سجلت عبر البلد.

وسمح هذا الصندوق بمساعدة المنكوبين عبر منح مساعدة مالية تتراوح بين 250.000 ومليون دج، للذين احترقت منازلهم، وفي شهر سبتمبر الأخير تم تعويض قطعان الماشية التي احترقت ويتم حاليا إعادة إنشاء بساتين الأشجار التي احترقت وما زالت عملية التعويض متواصلة.

من جانبه، تجند الشعب عبر كل ولايات الوطن لمساعدة المتضررين بكل ما هم بحاجة إليه، فقد توافدت على ولاية تيزي وزو قوافل لامتناهية من المساعدات، ليلا ونهارا من جميع أنحاء البلد.

وارتسمت في الأجواء، صورة رائعة من معاني التضامن، فقد كانت حركة الشاحنات على الطريق الوطني رقم 12 لا تهدأ وكذا على الطرق المؤدية إلى القرى، لنقل شتى المواد الغذائية والألبسة والأدوية والألعاب والأغطية والشموع ومواد أخرى.

كما جاب أطباء ومختصون نفسانيون وفنانون وغيرهم وجمعيات ومنظمات، مختلف القرى المنكوبة ومراكز الاستقبال ليقدموا كل حسب استطاعته، يد المساعدة من أجل العودة إلى الحياة العادية.

ولم يؤثر على تلك الهبة التضامنية، لا وباء كوفيد 19 ولا الاغتيال الجبان لجمال بن اسماعيل، بالأربعاء ناث ايراثن، الذي لقي التنديد والإدانة الشديدين من سكان الولاية الذين صدموا لمثل تلك الهمجية.

وقد لعبت ردة فعل وموقف والد جمال بن اسماعيل دورا هاما في إفشال المؤامرة التي استهدفت البلد ووحدة الشعب، وقد كانت عبارته الشهيرة “لقد فقدت ابنا لكنني ربحت منطقة”، بمثابة المسمار الأخير في تابوت المتآمرين وأدت إلى تعزيز أواصر الأخوة بين الجزائريين.

فقيد الجزائر لسنة 2021 جمال بن إسماعيل

عاشت الجزائر يوم 11 أوت من السنة المنقضية وفي أعقاب الحرائق التي مست منطقة القبائل، حالة من الحزن العميق والحيرة والذهول والخوف إثر وفاة الراحل جمال بن اسماعيل، الذي أثار اغتياله هبة تضامنية فريدة مع عائلته، في سلوك أكد مجددا نبذ الجزائريين لكل أنواع العنف.

وقد تأثر العديد من المواطنين إزاء قسوة ووحشية هذه الجريمة النكراء التي تستحق كل الإدانة كون الضحية جمال انتقل إلى منطقة الأربعاء ناث ايراثن (تيزي وزو) بصفة طوعية من أجل المساعدة في إخماد الحرائق التي أتت على الجبال وتسببت في موت 90 شخصا، من بينهم 33 من عناصر الجيش الوطني الشعبي.

وقال رئيس جمعية “أصدقاء مليانة”، لطفي خواتمي، إن يوم الأربعاء 11 أوت 2021 الذي ذهب خلاله جمال بن اسماعيل ضحية جريمة شنعاء “لا يمكن تبريرها”، سيبقى “محفورا إلى الأبد في ذاكرة سكان مليانة (عين الدفلى) والجزائريين، بشكل عام”، قبل أن ينوه “بروح الانتماء والتضامن التي جمعت بين الجزائريين عقب هذه المأساة”.

وتذكّر السيد خواتمي وهو طبيب أسنان، العدد الهائل من المواطنين الذين توافدوا إلى مليانة عقب وفاة الراحل لتقديم التعازي لأسرة الفقيد، وكيف تسبب ذلك في صعوبة كبيرة بالحركة في المدينة وضواحيها.

كما عبر عن تأثره العميق لاغتيال جمال الذي عرف كفنان ملتزم ذي مواهب متعددة، ومواطن مثالي وعاشق للطبيعة ورجل إنساني بقلب كبير، كما قال.

وتعكس هذه الهبة التضامنية غير المسبوقة، بالنسبة له، تعبير المواطنين عن تعاطفهم مع أسرة المتوفى، رغم أن فقدان فلذة الكبد يشكل مأساة للوالدين ما بعدها مأساة.

والد جمال بن إسماعيل: بصيرة نادرة وحكمة فريدة

ويبقى أكثر ما ميز الجو الرهيب الذي أثارته الوفاة المأساوية للراحل جمال بن إسماعيل، هو سلوك وأقوال والده في اليوم الموالي لاغتيال ابنه. وبالفعل أبان السيد نور الدين بن اسماعيل لدى انتقاله إلى تيزي وزو لأجل استعادة جثة فقيده، مستوى عاليا من ضبط النفس وحكمة فريدة، بالرغم من مصابه الجلل.

فقد قال متوجها للشباب الذين تجمعوا بالقرب من مستشفى تيزي وزو “القبائل إخواننا ولا نبحث عن الفتنة. القبائل أصدقائي وأبناء إخوتي. اللهم ألهمنا الصبر، كان جمال أخوكم ومات شهيدا”.

وأضاف ببصيرة نادرة تنم عن عظمة شخصه: “لقد فقدت ولدا، لكنني فزت بأولاد لأنكم جميعًا أبنائي”، في دعوة صريحة منه لتهدئة النفوس، وفق ما أكده الكاتب رشيد الزيان، الذي يرى في هذه الكلمات “درسا في التسامح يجب تلقينه للأطفال في المدارس، إذ أن هذا السلوك يمثل المواطن الجزائري العادي الجدير بالاحترام”. ويبدو جليا أن هذا الرجل كان يعلم، بالنظر لسنه (65 عامًا) وتجربته في الحياة، بـ “وجود أشخاص يتربصون في الخفاء، ينتظرون اللحظة المناسبة لإشعال النار، لكن بصيرته منعتهم من تنفيذ خطتهم الجهنمية”، كما أشار شمس الدين، عضو بالجمعية وصديق مقرب للراحل جمال.

وتذكّر الشاب البالغ من العمر 26 سنة “الغضب والاستياء الكبيرين” اللذان استوليا على الكل بعد اغتيال جمال، حيث أعرب سكان البلديات المجاورة لمليانة عن رغبتهم في إغلاق الطريق السريع احتجاجا على هذا الفعل.

وأضاف أنه بعد ساعات قليلة من وقوع المأساة، قدم سكان البلديات المجاورة لمليانة لإخبارنا أنهم مستعدون لإغلاق مقطع من الطريق السريع شرق-غرب العابر للولاية، مؤكدا أن أقرباء وأصدقاء المغتال رفضوا ذلك لأنه، كما قال، “كان سيرفضه الراحل جمال لو كان حيا”.

كما أعرب نفس الشاب، وهو خريج كلية العلوم السياسية وبصدد تحضير شهادة في الفلسفة، عن ارتياحه الكبير عقب سماع كلمات والد الضحية لسكان مليانة من تيزي وزو، حيث صرح: “أقول لأهالي مليانة عليكم أن تكونوا فخورين به (ابنه جمال)، لأنه بطل، أضحى لديكم الآن، بعد علي لابوانت، جمال بن إسماعيل”.

كما نوه الجامعي الشاب بموقف وسلوك السيد نور الدين بن إسماعيل إزاء المواطنين الذين أتوا لتقديم التعازي، عند عودته إلى مليانة لجنازة ابنه.

وذكر أن والد الضحية بقي “ساكنا وكأنه من جماد” بالرغم من الفاجعة التي ألمت به، في حين انفجر العديد من الأشخاص الذين انتقلوا إلى مليانة لأجل تقديم واجب التعزية بالبكاء، وأضحوا هم من يحتاجون إلى المواساة.

تكريس المثل العليا لجمال

وقال عبد النور، ابن عم الضحية، أن “الوقت يعلمنا ترويض الألم”، مضيفا أن “نار الألم الذي أحرق قلوب أقرباء وأصدقاء جمال لم تلتهم شرفهم ولا كرامتهم”.

وحسبه، يبقى أهم شيء بالنسبة للكل هو “تكريس المثل العليا لجمال”، منوها بالقيم الإنسانية الفريدة التي كان يتصف بها المتوفى، الذي كان “يسارع لتقديم المساعدة

والعزاء كلما بلغه خبر وقوع مصيبة ما”.

وحسب شهادة المتحدث، كان جمال بن اسماعيل “رجلا حساسا”، مؤكدا أن تنقله إلى تيزي وزو للمشاركة في عملية إطفاء النيران “لم يكن مجرد نزوة، بل كان نابعا عن رغبته في تقديم العون والمساعدة لمن هم في محنة”.

وعدّد مواهب جمال “الشاب المرح الذي كانت لديه الكثير من المشاريع والأصدقاء”، مضيفا أنه كان “عادلا ولديه ثقافة واسعة، وكثيرا ما كان ينتقل إلى العاصمة”. كما كان أيضا على وشك الانضمام لجمعية “أصدقاء مليانة”.

للإشارة، صنف موقع “almanach.dz”…مؤخرا والد جمال بن اسماعيل الشخصية الأكثر تأثيرا بالجزائر سنة 2021 وذلك بفضل شجاعته وحكمته في مواجهة جريمة اغتيال ابنه.

لمياء. ب