كن يوسفيًّا

كن يوسفيًّا

لقد ضربَ يوسف أروعَ مثالٍ في العفو، وذاك هو النَّهْجُ الذي سلكهُ الرسولُ عندما فتحَ مكة ” لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ “. ما أنقى قلبك يا يوسف! محا كل الملفات السوداء، وتعالى على وجع الجراح. إن العفو هو بدايةُ السلام في الإنسانية وما سِوى ذلك هو انفراطُ عِقْد معارك الأحقاد والكراهية والظلم! أن تعفوَ عمَّن ظلمك معنى ذلك أن تُوقِعه في الأسر الأبَديِّ. كأني بهم يخاطبون مشاعرهم: كيفَ غَمرَتنا فَوضى الحسد ذلك اليوم وفَقدنا السيطرة على رغباتنا؟! كانت أقدار الله تَنسج ليوسف ثوبًا من العِزِّ في حين هم يحيكون المؤامرة! في أوج قوتك لا تتردد لحظة عن العفو، انتبه أن يطيش عقلك وأنت تُفكِّر في صناعة الانتقام. العظماء يتناسون المصائب ويتجاوزون الخصومات، ويرتفعون على الأحقاد، وقديمًا قال الشاعر العربي: وليس رئيس القوم من يحمل الحقد. وهذه هي الصفة الوحيدةُ المشتركة بين العظماء، كان يوسفُ في قمة انتصارهِ وكانوا في وحل انكسارهم عندما نطق بـ ” لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ “. الحلم لا يظهر إلا مع الانتصار، والعفو لا يظهر إلا مع الاقتدار، والمنتقم دائمًا ضعيف؛ لأن العفو من شِيَم الأقوياء، فكُنْ قويًّا. إن كنتَ تريد خُلُقًا يسع الجميع فهو العفو، ومتى قابلنا الإساءة بالإساءة فلن تنتهي السلسلة، ولن نقضي على الإساءة. ورد في أمثال بعض الأمم “أشرف الثأر العفو”، وإذا أردت أن تنتقم لنفسك فاحفر قبرَينِ أحدهما لنفسك، ولن يضايق أعداؤك أكثر من أن تسامحهم. كثير من الناس يظن أن العفو ضعف؛ لكنهم لا يعرفون أن العفو يحتاج إلى قوة أكبر من الانتقام. إنَّ أقصرَ الناس أعمارًا وأكثرهم أمراضًا أهل الأحقاد، فتخلَّص سريعًا من الحقد، ولتُعلِن السلام الداخلي في نفسك، فالدُّنْيا أقصر من أن تَقطعها في التفكير في أعدائك. العفو عند المقدرةِ من أجلِّ مقامات القوة، ومن أجمل شِيَم الكرام، وكلما ارتفع الإنسان عن الانتقام ارتفع شأوهُ، وزادَ علوُّه، وعظُمت مكانته، وكان أهلًا لأن يكونَ في الناس وجيهًا.

 

من موقع إسلام أون لاين