إن من الصفات الحسنة للنفس البشرية: أن تكون ذات همة عالية، وتطلُّع مستمر إلى المنازل السامية، مُحِبَّةً للصدارة والسبق، كارهةً للتأخُّر والبطء. ومن الصفات السيئة في الإنسان أن يكون دني الهمة، بطيء الخطى على مدارج القمة، لا يُحرِّكه تنافس المتنافسين، ولا السعادة التي تغمر المتسابقين. إن ديننا الحنيف قد جاء ليصلح النفس الإنسانية، فيحلِّيها بأجمل الخصال، وينقِّيها من سيِّئ الأخلاق والأفعال، ويحثها على أن تكون هي الفاضلة لا المفضولة، والسابقة لا المسبوقة. ألا وإن المظاهر التي تحتاج من الناس إلى المراجعة والتصحيح: الرضا بالدون، والقناعة بالسيئ مع القدرة على الحسن والأحسن، والانتصار للنفس والهوى على حساب الانتصار للدين والعقل والمروءة. لكن الإنسان العاقل يحب أن يكون هو الأفضل والأكمل، ولا يرضى لنفسه بالسفول والتأخُّر، سواء كان ذلك في أمر الدين أم الدنيا، أو في معاملة الخالق أم المخلوق، فأيما رايةٍ رفرفت على قمة خير وبر، وفضل وسبق؛ حرص عليها، وسابق إليها.
قيل لعَرَابةَ بن أوس بن حارثة الأنصاري: بأي شيء سدت قومك؟ فقال: “والله، إني لأعفو عَنْ سفيههم، وأحلم عَنْ جاهلهم، وأسعى فِي حوائجهم، وأعطي سائلهم، فمن فعل فعلي فهو مثلي، ومن فعل أحسن من فعلي فهو أفضل مني، ومن قصر عَنْ فعلي فأنا خير منه”. فليكن المرء منا هو الأفضل إذا جاءت الخيرات، وبدت الأعمال الصالحات، وصار الناس فيها على منازل ومراتب، فهذا عكاشة بن مِحْصَن رضي الله عنه يسمع رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ “يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ القَمَرِ” فلم يتريث عكاشة، ولم يجعل أحدًا يسبقه إلى مثل ما سأل، فقام فقال: ادْعُ اللَّهَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ “اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ” ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: “سَبَقَكَ عُكَاشَةُ” متفق عليه. لنطلب دائمًا لأنفسنا أن نكون على وصف الأفضل في الخير ومعاشرة الخلق، ولا نرضى لها بالدون أو السوء. ولنجاهد أنفسنا حتى تكون مسارعة إلى فعل أحسن الأعمال، والتحلِّي بأجمل الخلال، ومتى غدونا كذلك أحبنا الله وأحبنا الخلق، وظفرنا بالنصر على أنفسنا وأهوائها، وفُزْنا بخيرات العاجلة والآجلة.
موقع إسلام أون لاين