إن مدرسة الصيام تربِّي على الإرادة الجازمة والعزيمة الصادقة، التي تستطيع في ساعات الشِّدة أن تصبر على شهواتها، وتَنتصر على هواجسها، وتستعلي على أهوائها، فتسمو النفوس عن الولوج في الملذات، وتترفَّع عن الدنايا والأمور التافهات، ومن ثَمَّ يَملِك زمام نفسه، ويقف صامدًا أمام تيَّار المُغريات، فيَسهل عليه الائتمار بما أمَر الله – وإن كان شاقًّا على النفس، والانتهاء عمَّا نَهَى عنه – وإن كان محبَّبًا إليها. والسر في ذلك أنَّ الصائم الذي يَفطم نفسه عن المآكل والمشارب، والشهوات الجسدية والنفسية، وهي على قيْد ذراع منه مدَّة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ثم يستمر على ذلك شهرًا كاملاً، لا بد أن يخرجَ من صومه وهو ذُو إرادة قويَّة حازمة. فإذا كان الله تعالى في هذا الشهر الكريم منَعَك من الحلال، مَنَعك مما هو مُباح لك خارج الصيام، فأنت – خضوعًا لله وتنفيذًا لأمره، واستجابة له – تَدَع الطعام والشراب، وسائر المحظورات، فهل يُعقَل أن تدَعَ الطعام الحلال ثم تكذب؟!
هل يُعقَل أن تَدَعَ الطعام الحلال ثم تَغتاب مسلمًا؟! هل يعقل أن تَدَع الطعام الحلال ثم توقِع بين اثنين؟! هل يعقل أن تضَعَ الطعام الحلال، ثم تغشَّ المسلمين في البيع أو الشراء، أو ترتكب الحرامَ وأنت صائم؟! أخي في الله،”إنَّ الله لَم يحرِّم عليك الزاد والماء لتتعذَّب، ولكن لتتهذَّب، فإذا تمرَّنْت على ترْك ما هو ضروري لوجودك، سَهُل عليك ترْكُ الشهوات والمعاصي، وهي ليستْ من ضروريات وجودك، بل إنها العكس جناية على حياتك وخَطَرٌ على وجودك، وإذا كنتَ قد صبَرت على هجْر الطعام بمجرَّد العزم والتصيم على الصيام، فأنت بهذه الإرادة نفسها تكون أشدَّ اصطبارًا على مقاطعة القبيح، ومجانبة الحرام، وتلك حكمة من حِكم الله في تشريع الصوم”. ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما يَرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه “مَن لَم يَدَع قولَ الزور والعملَ به، ليس لله حاجة في أن يَدَع طعامه وشرابه” رواه البخاري.