كنوز رمضانية..  اغتنام العشر الأواخر المضاعَفات الأجر والثواب

كنوز رمضانية..  اغتنام العشر الأواخر المضاعَفات الأجر والثواب

ها هي الأيام تمضي سريعًا، بالأمس كنا نستقبل شهر الهبات والعطايا، واليوم تقارب الشهر على النهاية؛ فما بقي منه غير ثلثه أو أقل، وتراءى لنا في الأفق موعد الرحيل، فالضيف بدأ يستعد ململمًا أيامه ونفحاته للرحيل، تاركًا في قلوب البعض الحسرة والندم على ما فرطوا، وتاركا في قلوبٍ أخرى الفرحة بما اغتنموا من دقائقه. هي عشر أيام مباركات، مضاعَفات الأجر والثواب، لكل نفس نامت في أوله عن الطاعات، وكست نفسها بثوب الغفلة والكسل، تنير طريق ما بقي من رمضان؛ فالعشر ما هي إلا سِراجٌ مُنير في عتمة قد اشتَّد ظلامها. فها هي أقبلت مضاعفة لحسناتها؛ فلو تكلَّمت أو تحرَّكت العشر، لقامت وجذبت قلوب الغافلين، ونهرتْهم بشدة، وقالت: أنا العشر، أنا الخير، أنا الباقية لك في سباق الطاعات فلتغتنمني يا عبد الله.

يقول ابن الجوزي: إن الخيل إذا شارفت نهاية المضمار، بذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق، فلا تكن الخيل أفطنَ منك، فإنما الأعمال بالخواتيم، فإنك إذا لم تحسن الاستقبال لعلك تُحسن الوداع؛ فلنحسن فيما بقِي يُغفَر لنا ما مضى. كثير منا يجتهد أشد الاجتهاد في أول الشهر، وعندما يأتي الثلث الأخير منه ترانا قد قلَّت هِمَّتنا وتوارت عزيمتنا، ونامت العيون عن العبادات، إنها عشر رابحات، وسباق للقلوب، وموسم للتجارة الرابحة، وبداية قلب جديد لكل من أراد أن يغتسل من التقصير، ولهذا جعل الله آخره أفضل من أوله؛ قال العلامة السعدي رحمه الله: من اجتهد أول رمضان وفَتر آخره، كان كمن بذَر حبة وسقاها ورعاها حتى إذا أوشك زمن الحصاد راح وتركها.

إذًا العشر الأواخر ليست للكسل والنوم، بل اجعل رسولك الحبيب قدوتك؛ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: “كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله، وشد مئزره”. شمِّر وانفض عن نفسك بوادرَ الفتور إذا داهمتْك، وأيقظ أهل بيتك، وقُم الليل، وأحي النهار بالطاعات، فلقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر أيقظ أهله، وكان يطرق الباب على فاطمة وعلي رضي الله عنهما قائلًا: “ألا تُصليان”، وكان عليه أفضل الصلاة والسلام يتجه إلى حجرات نسائه آمرًا فيقول: “أيقظـوا صَواحب الحجر، فربَّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة” أخرجه البخاري.