إن الإكثار من طاعة الله تعالى والإكثار من ذكره في وقت الصحة والرخاء من أسباب تفريج كربات المؤمن. روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “يا غلام، ألا أعلِّمك كلمات ينفعك الله بهن؟ فقلت: بلى؛ فقال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء، يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرُّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا”.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: “تعرَّف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة” يعني أن العبد إذا اتقى الله، وحفظ حدوده، وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرَّف بذلك إلى الله، وصار بينه وبين ربه معرفةٌ خاصة، فعرفه ربه في الشدة، ورعى له تعرفه إليه في الرخاء، فنجَّاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قُرب العبدِ من ربه، ومحبته له، وإجابته لدعائه؛ ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر: أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى، وحصل للعبد الإياس من كشفه من جهة المخلوقين، تعلَّق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكُّل على الله، وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج، فإن الله يكفي من توكل عليه، كما قال تعالى” وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ” الطلاق: 3.