كشف عن محطات مضيئة في حياة “الملاك الأبيض”.. عميمور يكتب عن الراحل حمدي بناني

كشف عن محطات مضيئة في حياة “الملاك الأبيض”.. عميمور يكتب عن الراحل حمدي بناني

فقدت الساحة الفنية الجزائرية فنانا مرموقا من عباقرة المالوف، وهي الموسيقى الأندلسية التي تألق بها الشرق الجزائري والجمهورية التونسية، وارتبط اسم الفنان بمدينة عنابة كما ارتبط اسم الفرقاني بمدينة قسنطينة وأحمد وهبي بمدينة وهران وخليفي أحمد بالصحراء ومناعي بمنطقة الوادي والحاج العنقا ومحمد عماري والعنقيس بالعاصمة وإيدير وآيت منقلات بمنطقة القبائل.

الدكتور محي الدين عميمور وفي مقال في “رأي اليوم” كتب عن علاقته بالراحل حمدي بناني قائلا:”بحكم استقرار عائلتي في عنابة كانت لي فرصة التعرف إلى حمدي بناني، الذي أصبح الرمز الغنائي لعاصمة الشرق الجزائرية البحرية، وتوطدت المعرفة بعلاقاتي الأخوية مع الصديق المشترك الجنرال مصطفى بللوصيف، وخلال نحو 13 سنة من العمل في رئاسة الجمهورية كان يسعدني أن يكون بناني هو نجم الحفلات التي كانت ولاية عنابة تقيمها على شرف الرؤساء الذين يزورون بلد سيدي بومروان، نسبة لمسجد أثري يقع في شمال عنابة ويعد أحد أقدم وأجمل المساجد في الجزائر ورمزا دينيا مهما، تأسس قبل أكثر من عشرة قرون إبان حكم المعز بن باديس الصنهاجي، وتعتم الاتجاهات الفرانكولائكية على وجوده لاحتكار ربط المدينة بقسيس روماني، جعلته روما قديسا باسم سانت أوغستان”.

وتابع يسرد ذكرياته الرائعة مع الملاك الأبيض :”عندما زار الجزائر الرئيس “سياكا ستيفنس” رئيس جمهورية _سيراليون_، الذي كان الرئيس التالي لمنظمة الوحدة الإفريقية (1980) كلفني الرئيس بمرافقته في زيارة إلى عنابة، وأتصور أن الاختيار كان أساسا لأن الرئيس الضيف لم يكن يعرف إلا اللغة الإنجليزية، وهي لغتي الأجنبية الأولى. وبعد برنامج حافل شمل زيارة أهم ما تعرفه المدينة من إنجازات، وخصوصا مصنع الحديد بالحجار، والذي كان من مفاخر عهد الرئيس هواري بومدين، وتعرض للتخريب المتعمد بعد ذلك في ظروف لا مجال اليوم للتعرض لها. وأقامت الولاية على شرف الضيف ومرافقيه حفل عشاء في فندق _سرايدي_ الواقع على جبل _إيدوغ_، وكان بناني بالطبع هو نجم الحفل، وكعادتي في الإشراف على كل ما يتعلق بالزيارات الرئاسية قلت للفنان بأنني سأقدمه للضيف بعد نهاية العشاء واختتام وصلته الغنائية ليقول له كلمات تكريم لبلده وتحية لشخصه، لكن بناني رفض وقال لي بكل بساطة، أنا أجيد الغناء لكنني لا أفهم في السياسة، ولو كانت لدي الفرصة لقمت بتلحين أغنية ترحيب به”.

وأضاف في نفس السياق: “لم أحاول الضغط على الفنان الذي يعرف حدود إمكانياته ولم يتصرف كبعض من يتصورون أن براعتهم في مجال معين تعطيهم الحق في استعراض العضلات في كل ميدان، بل احترمت فيه ذلك، وكان عليّ أن أتصرف بسرعة بعد أن كنت استبعدت إلقاء أي خطب رسمية قد تسبب للضيف سوء الهضم. كان المترجم الجزائري المرافق للوفد شابا ذكيا اسمه بن كريتلي، استدعيته وأمليته عدة فقرات سيترجمها للضيف، وقلت لحمدي إن كل ما يجب عليه فعله هو أن يقول أي كلام وكأنه يخاطب أي فرد من أصدقائه أو عائلته، على أن يكرر كلمة إفريقيا واسم _سياكا_ أكثر من مرة في فقرات متتالية، يتوقف بعد كل منها ليترك للمترجم فرصة التصرف.

واستجاب حمدي بكل بساطة لما طلبته منه، وتم اللقاء بالفعل، وكان الرئيس الضيف في قمة السعادة وهو يسمع من الفنان، عبر ترجمة بن كريتلي بأن الجزائر تنتظر الكثير على يديه في رئاسته القادمة، فهو، بجانب خبرته الرئاسية، من حكماء إفريقيا المتميزين، وبلده تسمى في العربية قمة الأسد (سيرا ليون) الخ الخ. وعدنا إلى العاصمة، ويستدعيني الرئيس الشاذلي بعد سفر سياكا ستفنس ليسألني بجدية ملأتني رعبا: من هو المغني الذي تحدث مع الرئيس الضيف في عنابة ؟ وقبل أن أجيب واصل الشاذلي حديثه قائلا: كان سياكا ستفنس مبهورا بذلك الفنان وقال لي: لو كان عندي رجلا مثله لعينته فورا رئيسا للحكومة. وتنفست الصعداء وأنا أقول للرئيس: إنه حمدي بناني، فانفجر ضاحكا حتى بدا عاجزا عن التحكم في ضحكه (ومعروف أن الرئيس هو من الشرق الجزائري ويعرف عنابة وأهلها وفنانيها جيدا).

وختم الدكتور :”لا أنسى كلمات طيبة قالها سي الشاذلي عن الفنان الراحل، الذي عُرِف بكمانه الأبيض، رحم الله الرئيس والفنان، وأكرم مثواهما. وشكرا للمولى عز وجل الذي منحني الفرصة لأرتبط برجال يقول عنهم المثل الجزائري…معرفة الرجال…كنوز.

ب/ص