خلال معرض الجزائر الدولي للكتاب الذي احتضنته بلدنا في الفترة من 06 إلى 16 نوفمبر الجاري في طبعته الـ 27 لهذا العام، ومن خلال إقبال القراء الذين زاروه وطافوا عبر مختلف أجنحته، لوحظ توافد كبير على نوعية خاصة من الكتب من طرف الشباب خاصة تلك التي تتحدث عن الجن، الشعوذة والسحر..
ويبدو من خلال هذا الإقبال على هذا النوع من المؤلفات أن مفهوم المقروئية قد تغير عند الجيل الجديد خاصة، وأصبح التشجيع للأسماء الأدبية المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على عكس الكاتب المبدع صاحب المؤلفات الهادفة.
وفي هذا الموضوع، تحدث بعض الأدباء والمثقفين لـ “الموعد اليومي”…
محمد كاديك… الكتابة الجيدة عندنا نادرة لأسباب موضوعية

ما يحفز القراءة، فعلا، هو الكتابة الجيدة، وهذه – مع الأسف – نادرة لأسباب موضوعية، وقد يكون أول أسباب الندرة النخبة الكاتبة التي أسست لرؤاها الثقافية على مفاهيم مغلوطة، ما أنتج نصوصا لا تلبي حاجة القارئ ولا تستجيب إلى طموحه.. ولا يمكن لأي كان أن يستمتع بنص يعاديه، بطبيعة الحال.. ولقد تابعنا حملة شرسة قادها من نتوسم أنهم من المثقفين على من وصفوهم بـ (المراهقين)، ولم يجدوا لهم من ذنب سوى أنهم تدافعوا من أجل الحصول على نص روائي.. أليس هذا عجيبا؟!
قال (المثقفون): المراهقون تستهويهم الأعمال العجائبية التافهة.. طيب.. أليست ألف ليلة وليلة التي يظلون عاكفين على التنويه بها، عجائبية؟! ألم توزع رواية هاري بوتر مئات الملايين من النسخ؟ هل هذا يعني أن الملايين التي تعشق هذا النوع الأدبي على باطل، ومثقفونا الذين لم يقنعوا، على حق؟!
كان ينبغي أن نشجع المتدافعين على الكتاب. لا أن نسلقهم بألسن حداد، فنحن نحتاج القارئ، وليس مطلوبا منه أن يبجل كتاباتنا كي يكون قارئا جيدا.. نكون منصفين لو نعود إلى أنفسنا، عوض التجني على أناس اختاروا كاتبا، وتدافعوا لأجل الحصول على كتابه بخاصة مقدراتهم.. أما التواصل الاجتماعي، فهو في متناول الجميع. والغاضبون من (المراهقين) يمكن أن يستعملوا المنصات الرقمية، وهم يستعملونها فعلا، ولكنهم لم يقنعوا.. ليست مسألة إشهار، إذن المسألة نصوص تحترم آفاق القراءة.
بريك الله حبيب… هذه الأسماء استطاعت أن تسيطر على فكر الشباب

في الحقيقة مفاهيم المقروئية لدى الجيل الجديد تغيرت تغيرا جذريا من خلال ما رأيناه ونراه في الساحة الثقافية الحالية لأسباب متنوعة ومختلفة، ولعل أهم هذه الأسباب هي الوسائط التكنولوجية الحديثة بمختلف توجهاتها ومضامينها، ذلك أن الكتاب الورقي في فترة زمنية ليست بالبعيدة كان يعتبر الملاذ الآمن للقارئ حين تعصف به رياح الأفكار المتبعثرة من كاتب إلى آخر، فيجد القارئ العربي راحته في تصفح الكتاب واحتضانه فيختار من الأقلام ما يثلج ويشبع نهم القراءة لديه بخلاف هذا الزمن المخيف الذي أصبح فيه القارئ حبيس لوحات وشاشات رقمية وبرامج وتطبيقات إلكترونية لا روح فيها ولا حياة، وما شد انتباه الكثير من زوار معرض الجزائر الدولي للكتاب سيلا في طبعته الـ 27 هو انتشار بعض الأسماء، التي استطاعت أن تسيطر على فكر الشباب من خلال ترويج محتويات رقمية مختصرة في عالم الماورائيات والسحر والشعوذة وعالم الغيبيات لشد انتباه الجيل الجديد الذي أصبح متعطشا كل التعطش من أجل الظفر بكتاب أو رواية أو قصة تحكي عن عالم الجن والغيب الذي لا يملك الكاتب عنه إلا ما ساقه له خياله الضيق في أسلوب تشويقي يشد القارئ نحو معرفة نهاية الرواية أو الكتاب، فتنشأ عند القارئ وخاصة الشاب رغبة شديدة نحو طلب المزيد من هكذا نصوص والأمثلة كثيرة في هذا السياق.
إن محاولة توجيه القارئ الشاب أو إعادة البوصلة له ليست مهمة سهلة في ظل ما تسوقه وسائل التواصل الاجتماعي من محتويات خطيرة تنتشر بسرعة البرق وتخطف اهتمام الشباب بصورة مخيفة، وعليه فلا بد من تضافر الجهود نحو إعادة المكانة اللائقة للكتاب الورقي من خلال المنتديات وتشجيع المقروئية في الوسط المدرسي والجامعي بالخصوص.
عيسى ماروك… الإعلام الجديد ساهم في نشر قيم ومفاهيم جديدة كثيرها مستورد

بداية يمكن القول بأن الكثير من المفاهيم قد تغيرت ومرد ذلك إلى الدور الذي يلعبه الإعلام الجديد في نشر قيم ومفاهيم جديدة كثيرها مستورد، فالعولمة قضت على الحدود وتجاوزت الخصوصية الثقافية المحلية وسعت إلى تنميط الإنسان من خلال توحيد السلوكات ونشر الثقافات المهيمنة وبخاصة الغربية كل هذا أثّر على الذائقة العامة للمجتمعات المغزوة ثقافيا من بينها الأمة العربية التي وجدت نفسها في فجوة بين الأجيال القديمة والجيل الجديد، ويمكن القول بأن المؤسسات الاجتماعية والثقافية فقدت هيمنتها وريادتها في صنع المشهد، وسهلت له الأنترنت سبل التواصل مع الآخر، بل الذوبان فيه. فأصبح نسخة مشوهة عن الثقافة الغربية وحتى الشرقية كالثقافة اليابانية والكورية.
ليس مستغربا أن تطفو على الساحة بعض الظواهر الثقافية وتصنع لنفسها هالة ورواجا بين الشباب والمراهقين، بل إن بعض ما يستقطب الشباب قد نجده مستهجنا لدى الأجيال السابقة مما يزيد من اغتراب هذه الفئة عن واقعها وآمال أبناء وطنها.
أسماء سنجاسني… هذا ما دفع بالناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الترويج لكتبهم

بعد أن شهدنا في السنوات الماضية تراجعا كبيرا في نسبة الإقبال على الكتاب الورقي، ها نحن اليوم نشهد إقبالا ولكن بطريقة مختلفة، مواقع التواصل الاجتماعي هي فرصة للاقتراب من الناس بشكل كبير، وهذا ما استغله بعض الناشطين عبر المواقع للترويج لكتبهم بشكل جيد يمكنهم من الوصول إلى عدد كبير من القراء، وهذا ليس أمرا سلبيا تماما، ولكن لابد لأولياء التلاميذ أن يراقبوا أبناءهم وما يقرؤون، حتى لا يؤثر الأمر عليهم سلبا، الهدف هو إعادة إحياء المقروئية ولكن للأسف نحتاج إلى ثورة فكرية عميقة وحقيقية لبناء جيل قادر على تحمل أعباء الحياة الاجتماعية والفكرية، وقادر على تقديم النفع لنفسه ومحيطه وبلده، لأن الحقيقة اليوم تقول إن 80 بالمئة من الذين يلبون نداء الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي يأتون لالتقاط صورة مع المؤلف وفقط..
حاء/ ع