تعد الكتابات الحائطية في الجزائر وسيلة لتعبير الشباب عن المشكلات التي تواجههم، بعبارات مقتضبة يكتبونها على الجدران في مواقع مختلفة.
وقال عدد من الشباب إن الكتابات الحائطية تمثل وسيلة بالنسبة إليهم للتعبير عن انشغالاتهم اليومية، وذلك من خلال عبارات مقتضبة قصيرة الكلمات تكتب بلغة بسيطة غالبا ما تكون باللهجة المحلية أو بإحدى اللغتين الفرنسية أو الإنجليزية.
وإن كانت بعض الكتابات تعبر عن المطالب وحالة اليأس التي يعانيها الشباب، فإن هناك منها من باتت تخدش الحياء وتجاوزت الحدود الأخلاقية والاجتماعية والدينية، فلم تسلم جدران مختلف المؤسسات واللوحات الإشهارية من هذا السلوك الطائش الذي يمارسه عدد من الشباب المراهقين الذين وجدوا في الأسوار وسيلة للتعبير عن مكنوناتهم من دون ردع أو رقابة.
عبارات دنيئة وكلام فاحش
فيما يبدع العديد من الشباب في الرسم على الأسوار، يفضّل آخرون إيصال رسائل مشفرة والتعليق على الأحداث بطريقة خاطئة وسلبية عن طريق الكتابة على الأسوار بلغة الشارع وبكلام يحمل العديد من العبارات الدنيئة والمتجاوزة للآداب و الأخلاق على غرار كلمات العشق التي تخدش الحياء والسب والشتم ضد أشخاص معروفين وآخرين غير معروفين، إضافة إلى وصف لجسم المرأة وحتى الرسومات التي تحمل من العار ما يخجل كل من يمر أمام تلك الأسوار.
أسوار المؤسسات التربوية الأكثر استهدافا
لعل أكثر الأسوار التي تنتشر فيها هذه الظاهرة السلبية والدخيلة على المجتمع الجزائري، هي أسوار المؤسسات التربوية خاصة وأن الذين يكتبون تلك العبارات من الشباب المراهق الذين يدرسون إما في الإكماليات أو في الثانويات، حيث ينقلون كل ما يقع معهم من أحداث عبر الكتابات و الرسومات الحائطية كطريقة لإيصال صوتهم ورسائلهم، ففي جولة قادت “الموعد اليومي” إلى بعض المؤسسات التربوية في العاصمة، استوقفتنا عدة عبارات و رسومات خطها الشباب على أسوار المؤسسات التربوية التي باتت المكان الأكثر استهدافا من طرف المنحرفين كما هو الحال لبعض أسوار المؤسسات الوطنية والخاصة المتوزعة عبر الطرق السريعة، إضافة إلى الحواجز المنصبة عبر هذه الطرقات والتي صارت هي الأخرى تعبر عن الانتشار الملحوظ والمتزايد لهذه الظاهرة، وإلى جانب هذا لم تسلم حتى منازل المواطنين و الحدائق العمومية من هذا الانحراف.
كلام فاحش، سب وشتم
تحمل الكتابات والرسومات الحائطية الكثير من الكلام الفاحش وكذا السب والشتم، حيث تتمحور أغلب الكتابات حول القصص الغرامية لهؤلاء الشباب، إضافة إلى فضح بعض القصص الغرامية للفتيات وكذا رسومات لجسد المرأة والعلاقات الجنسية، إلى جانب شتم وسب شخصيات معروفة وطنيا ومحليا، مما يجعل هذه الظاهرة تأخذ منحى خطيرا للغاية حتى أنها صارت الطريقة المفضلة لشريحة كبيرة من المجتمع والفئة الحساسة جدا، وهي فئة الشباب والمراهقين الذين فضلوا التعبير عن مكنوناتهم في الخفاء وعن طريق الكتابة و الرسم، كما أن هذه الكتابات صارت وسيلة أخرى للحرب الباردة التي تنشب بين الفرق الرياضية وقد اتخذها بعض المناصرين كوسيلة لسب وشتم أنصار الفرق المنافسة.
من الجدران إلى اللافتات
ولهذه الكتابات التي يتعاطى معها الباحثون في الاتصال وعلم النفس والأمن والاجتماع بصفتها أحد المداخل لدراسة المزاج العام للمجتمع الذي تنتشر داخله، تاريخ في الفضاء الجزائري، يعود إلى الفترة الاستعمارية الفرنسية، حيث كانت تشكل أحد وجوه المقاومة الشعبية، عادة ما كانت تكتب باللغة الفرنسية حتى يفهمها الطرف الموجهة إليه، وكان القضاء الفرنسي يحاكم كاتبيها من الجزائريين، بتهمة التحريض على زعزعة الأمن العام والإساءة إلى رموز الدولة الفرنسية.
وبعد الاستقلال الوطني عام 1962، باتت سلوكًا محتشمًا، وما وجد منها كان منسجمًا مع الخيارات السياسية العامة، من ذلك “الاشتراكية خيار لا رجعة فيه” و”تأميم المحروقات خيار الشعب والشهداء”، ما عدا مفاصل معينة شهدت صراعًا بين أجنحة الحكم. غير أنها، بعد رحيل الرئيس هواري بومدين نهاية سبعينيات القرن العشرين، ومجيئ الرئيس الشاذلي بن جديد المعروف بتسامحه مع حرية التعبير، انتعشت بشكل مكثف، غير أن الحرية المطلقة التي عرفها الشارع الجزائري، بعد إقرار التعددية الحزبية عام 1989، إلى غاية توقيف المسار الانتخابي عام 1992، جعل هذه الكتابات تنتقل من الجدران إلى اللافتات المحمولة في المظاهرات والتظاهرات التي شهدتها الجزائر آنذاك، والتي تشهدها مؤخرا.
ل. ب