قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ

 

إن شريعة الله تعالى سلكت سبيلا وسطا بين أهل الفجور المغرقين في الشهوات وبين أهل الرهبانية والتشدد والغلو. لقد أباحت الشريعة التمتع بشهوات الدنيا من أوجه الحلال الطيب؛ فالمال يربحه العبد من حلال ويضعه في حلال، ويتزوج ما طاب من النساء مثنى وثلاث ورباع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “حُبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة”رواه أحمد والنسائي. وهكذا بقية الشهوات يستمتع بها العبد وفق الضوابط الشرعية فلا يتعدى حدود الله تعالى ولا يجترئ على الحرام.
أما أهل الغلو الذين حرموا على أنفسهم ما أحل الله تعالى فهؤلاء يقال لهم ما قاله الله تعالى: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” الأعراف: 32.
وكما في الحديث المتفق عليه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”. إن إطلاق العنان للنفس في شهواتها يجعل هذه النفوس عابدة لأهوائها كما قال الله تعالى: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ” الجاثية: 23، فهذا الذي اتخذ دينه هواه، فلا يهوى شيئا إلا ركبه، لا يخاف ربه، ولا يحرم ما حرم الله ولا يحل ما أحل الله، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ” رواه البخاري. فهو خائب خاسر لأن حب الشهوات قد أذله وحاد به عن صراط ربه.

 

موقع إسلام أون لاين