قوانين الابتلاء في القرآن الكريم

قوانين الابتلاء في القرآن الكريم

أن القاعدة العامة في العقوبات اﻹلهية التأجيل؛ يدلُّ على ذلك قوله تعالى “وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ” فاطر: 45. وأن الله ليس بغافل عما يفعل الظالمون؛ قال تعالى ” وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ” إبراهيم: 42. ولكن قد تُعجَّل العقوبة، وقد تدفع بليَّة لحكمة إلهية، وقد يكون سبب ذلك دعوة مستجابة، أو نصرة مظلوم. وقد جاء عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاءُ فيعتلجانِ إلى يوم القيامة” أخرجه الحاكم. ومِن العقوبات المعجَّلة في الدنيا: الظلم، وقطع الرحم، وعقوق الوالدين.

إن الحكمةَ من الابتلاء هي الامتحان، وبعدها يكرم المرء أو يهان؛ قال تعالى ” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ” الملك: 2؛ ولهذا فإن الابتلاءَ له تعلُّق بموضوع اﻹيمان بالقدر خيرِه وشرِّه، فليتنبه لذلك. وأن أفضل حصانة للثبات في وجه أعاصير الابتلاء، وزلازل الامتحان، هي: التحقُّق باﻹيمان، والتحلي بالصبر، والاعتصام بالتوكل على الله سبحانه. إن الابتلاء يذكر اﻹنسان المبتلى بالرجوع إلى الله تعالى وشرعه؛ قال تعالى ” وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” الأعراف: 168. ومِن حِكم الابتلاء أنه تربية، فهو يهذِّب النفوس ويعيد التوازن لمن أصيب بالاختيال والفخر واﻹعجاب بالنفس والمال والولد،والثياب والبيت،والمحلة والبلد. أليس قد قال الله تعالى ” مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ” الحديد: 22، 23.

إن الطريقَ في الوصول إلى الله سبحانه صعبٌ، وفيه مخاوف، قال ابن القيم: “الطريق طريقٌ تعِب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجِع للذبح إسماعيل، وبِيعَ يوسف بثمن بخسٍ، ولبِث في السجن بضع سنين، ونُشِر بالمنشار زكريا، وذُبِح السيدُ الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوبُ…وعالج الفقرَ وأنواعَ الأذى محمدٌ صلى الله عليه وسلم.