كانت المناضلة الجزائرية الرمز جميلة بوحيرد عروس مهرجان أسوان السينمائي الذي اختتمت فعالياته، الثلاثاء، بتوزيع الجوائز على الفائزين.
وروت “جميلة” لـ “الوطن” المصرية، ما لم تتحدث عنه من قبل، بمشاعر المناضلة والأنثى أيضاً، لمستمعات من النساء، قبل أن ينضم إليهن عشرات الحضور، ممن أبهرهم حكيها ونضالها والسنوات التي قضتها لتثبت أن “النضال امرأة”.
وتحدثت عن “نزار القباني”، وابتسمت، لم تزل مشاعر الفتاة كما هي، هي التي قاربت الـ80 عاماً، لكنها لم تنسَ كلمة قيلت فيها كامرأة أو مناضلة، وهل في الكون امرأة تنسى الإطراء، حتى لو كانت في زي النضال وفي زنزانة العدو، أنهار من الدموع ذرفتها “جميلة” حزناً على مدار سنوات طويلة، لم تبكِ وهي معتقلة تواجه الاحتلال، لكنها بكت حين تابعت ما يحدث للدول العربية.
وبكت جميلة بوحيرد بحرقة أثناء مشاهدتها للفيلم الوثائقي “معزوفة الموت قصة مدينة تحاصرها الألغام”، المدينة هي بنغازى، بكت جميلة وقالت: قهرتني هذه الدماء التي تسيل في ليبيا، وأوجعتني الكلمات التي قالها وزير خارجية بريطانيا، والذي احتقر الضحايا الذين اغتالهم الإرهاب في ليبيا، وقال: سوف ننظف الشواطئ من تلك الجثث ونبدأ في خطط إعادة الإعمار والاستثمار لتتحول شواطئ ليبيا إلى دبى أخرى.
صرخت جميلة بصوت مبحوح غاضب: يا ليتني أستطيع أن أذهب للجهاد في ليبيا بالرغم من سني، وعندما هدأت وقفت وقالت: “أنا منذ ستين سنة لم أتكلم عن الثورة الجزائرية، سبع سنين دم وغم وحزن ودموع، ناضل كبار وأعطوا الغالي وأخذوا الرخيص، وإذا أردت أن أكلمكم عن الثورة أحتاج إلى سبعة أيام متواصلة واليوم منها بمقدار سنة من الثورة، هذه الثورة التي كان لي شرف المشاركة والانخراط فيها، ثورة كبيرة، ثورة عظيمة، حتى الصغار فيها كانوا أبطالا، أؤمن بأن الشعوب ستنتصر، لأن الحق دائماً يكون مع الشعوب، وربنا يطيل من عمري وأزوركم مرة أخرى وأحكي، وربما أكتب في يوم ما عما أختزنه في أحشائي وفي قلبي”.
وعادت جميلة لتتحدث عن مصر والزعيم الأبدي جمال عبد الناصر قائلة: “لن أنسى فضل عبد الناصر على الجزائر في دعمه، وفرحت كثيراً حينما عرضت ابنة الزعيم الراحل هدى تسجيلاً لزيارتي الأولى لمصر، فليس لدي أي توثيق لهذه الزيارة. وأتذكر أنه عقب الاستقلال وزيارتي لبنان التف حولي الشعب كله، وكان الحرس يبعدهم خوفاً من اغتيالي، لكنى كنت أرحب بهم جميعاً، وأؤكد أن مصر عشقي وحبي الأول والأخير، إنها بلادي وقلبي، كما الجزائر، ولا يستطيع أحد أن يفرق بين حبي لها وحبي للجزائر.
وعن رأيها في الأجواء السياسية التي يعيشها الوطن العربي الآن، ردت جميلة بحسرة: “محاولات الهيمنة التي يحاول الغرب فرضها على الوطن العربي الآن ستبوء بالفشل حال تسلح الشباب بالوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي، للتمييز بين الغث والسمين فيما يبث له من أفكار وآراء، من أجل حماية المجتمع والحفاظ على هويته الثقافية والاجتماعية، والدور المفروض أن تلعبه الحكومات العربية هو بذل المزيد من الجهد في تثقيف الشباب والأخذ بأيديهم والاستماع لهم والاهتمام بقضاياهم وإشراكهم في الأمر، ونقل الخبرة الصحيحة إليهم والعمل على تقويم سلوكياتهم التي تتعرض بصفة مستمرة للاستحواذ من جانب قوى الغدر، وحال الأمة العربية في الماضي كان أفضل من الآن”.
وأضافت:”بعض الشباب مسلوبو الإرادة، وعقولهم لا تدرك ما يحاك للهوية العربية من محاولات طمس وتغييب عبر نظرية فرض الأمر الواقع على الوطن العربي، حيث تعمل قوى الشر على تمزيقه وتقسيمه”.
وتابعت: “أنا لا أخشى الموت ما دام ثمنه الحرية، نحن لا نعرف الخوف، وتربينا على النضال، حتى أنني لم أبكِ وقت تعرضي للتعذيب، كنت قوية ولا أخاف أحداً من المستعمرين مهما كانت صفته، ووقفت في المحكمة وقلت: “أعرف أنكم ستحكمون عليّ بالإعدام، لكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة”، وحينما حُكِم عليّ بالإعدام انتابتني نوبة من الضحك العالي، استفزت رئيس المحكمة فرد صارخاً: “لا تضحكي.. فالأمر خطير”، حتى إن أحد الشعراء كتب قصيدة لي في هذا الموقف”.
واستطردت تروي معاناة السجن:”في السجن كانوا يجبروننا على أن نرتدي ملابس من الخيش من الرقبة إلى كعوب الأرجل، وأنا وزميلاتي المناضلات كنا نخيط هذه الملابس فساتين قصيرة ميكروجيب دون أكمام، حتى إن السجانات كُنّ ينظرن إلينا ويقلن: “ما أبهاكم.. ما أحلاكم”، لم نكن نخاف السجن”.
وعادت جميلة لتتكلم عن مصر لتقول بأنها تعشق عبد الحليم وأم كلثوم وشادية، وطقطوقة السنباطي لوردة “اسأل دموع عينيا” من أروع ما سمعت، وتعشق أيضاً عبد الوهاب، وتتذكر أنه فى إحدى جلساتها معه طلب منها العزف على البيانو، فقالت له إنها لا تعرف العزف لكنه أصر، فجلست إلى البيانو وعزفت السلم الموسيقي فقط.
وعن الفنانين الجدد قالت:”أعرف بوشناق وشيرين، لكني أحب القدامى، ولا أهتم بالجديد كثيراً، لكن أعجبني الفنان محمود حميدة في كلمته في افتتاح مهرجان أسوان، فقد عبر عن احترامه لي ونضال الثورة الجزائرية في مواجهة الاحتلال الفرنسي، وقال لي إنه لم يكن يظن يوماً أنه سيقابلني، وتأثرت كثيراً حينما قال لي: “عندما سمعت أنباء تعذيبك شعرت بآلام في جسدي، وبعدها سكنت القلب ولم ينازعك فيه أحد”. وتأثرت حينما نزل وقبّل يدي وضممته إلي، وشاهدت الدموع في عينيه، هذا فنان مثقف ورائع ومحترم”.
ولدى جميلة حفيدة واحدة عمرها 20 عاماً، تعيش مع والدتها في أمريكا، وتزورانها كل فترة.
وقبل مغادرتها زارت المناضلة الجزائرية مستشفى مجدي يعقوب لجراحات القلب في أسوان، ورافقها في الزيارة الكاتب الصحفي حسن أبو العلا، مدير المهرجان.
وأشادت جميلة بالمستشفى، وما بها من إمكانيات، وما تقدمه لخدمة المرضى في مصر بالمجان، دون التفرقة بينهم على أساس المستوى المادي، أو اللون، أو الجنس، وعلقت أثناء عرض الفيلم التسجيلي للتعريف بالمستشفى بأنه عمل إنساني جليل يخدم البشرية.
وتفقدت بوحيرد أقسام المستشفى، وزارت قسم الاستشفاء للكبار، وتقابلت مع عدد كبير من الأطباء، والمرضى، الذين حرصوا على الحديث معها، والترحيب بها.
ودعا الأطباء المناضلة الجزائرية لعمل فحص شامل على قلبها، لكنها رفضت، وقالت إنها تستحي من إجراء هذا الفحص المجاني، وهناك من هو أحوج إليه منها.