قصبة الجزائر

قلب “المحروسة” يحتضر.. مشروع ترميم القصبة استهلك 2400 مليار دينار منذ الاستقلال

قلب “المحروسة” يحتضر.. مشروع ترميم القصبة استهلك 2400 مليار دينار منذ الاستقلال

حذر مدير ديوان وزارة الثقافة، نور الدين عثماني، من إقدام اليونيسكو على تصنيف القصبة كمعلم في حالة خطر، يوم 15 ديسمبر الجاري، وهو ما قد يقصيها من قائمة التراث العالمي، مؤكدا أن مشاريع ترميم القصبة استهلكت 2400 مليار دينار منذ الاستقلال، في وقت لا تزال المدينة تعاني من خطر الانهيار.

وينتظر أن تصدر اليونسيكو يوم 15 ديسمبر الجاري، تقريرها النهائي حول القصبة، مع احتمال إقصائها من لائحة التراث العالمي.

وأشار عثماني في حوار مع القناة الإذاعية الثالثة، إلى أن الحديث اليوم منصب على تنفيذ تعليمات الوزارة الأولى ووضع خطة لإنقاذ القصبة.

وأكد أن هناك مكاتب دراسات مؤهلة وضعت مخططات لإعادة ترميم المدينة بطريقة صحيحة، حفاظا على خصوصيتها الثقافية والتاريخية بالاستعانة بمهندسين مؤهلين، رغم المشاكل التي تعيق العملية ومنها الملكية الخاصة لعدد كبير من بيوت الحي العتيق.

واعتبر المتحدث، أنه تم وضع عدة خطط لإعادة تأهيلها بطريقة سليمة، مشيرا إلى أنه من المستحيل ترميم كل المنطقة في الوقت المطلوب نظرا لخصوصية المكان.

 

القصبة تبحث عمن ينقذها

أخفقت السلطات في استغلال قصبة الجزائر كمعلم ومنطقة سياحية يمكن أن توفر العملة الصعبة والفرص الوظيفية، إذ كانت في وقت سابق منطقة سياحية هامة.

اختفت في الوقت الحالي من القصبة عدة حرف، كصنع النحاس والجلود والتحف وغيرها. يقول “خالد. م”، وهو حرفي النقش على الخشب في قصبة الجزائر، إنّ الحيّ كان مزدحماً بمحلات صنع النحاس والخشب والجلود، بينما اندثرت حالياً أغلب الحرف منه. يحافظ خالد على محله للخشب، ويقول: “أبي أوصاني بألّا أغيّر نشاط هذا المحل المفتوح منذ عام 1938، بالرغم من أنّ السلطات لا تقدم الدعم الكافي لتشجيع الحرفيين التقليديين في الحيّ”.

مضيفا بأن الحي فقد العديد من أجزائه، إذ تهدمت عشرات البنايات، واضطر سكانها إلى مغادرة القصبة التي مرّ منها العلماء والكتاب والفنانون، إذ أحصيت عشرات البنايات التاريخية كمعالم مهددة بالانهيار في أيّ لحظة بالقصبة.

 

 

تاريخ القصبة

تعني كلمة القصبة في مجمع المعاني الجامع أن القَصَبَةُ من البلاد أي مَدِينتُها، أما في معناها التقليدي العاصمي فتعني “وسط المدينة”، وتعرف شوارعها في لهجة سكان العاصمة باسم “زنقة” أو “زنيقة” بمعنى الشارع الضيق، أما معناها الأصلي فهي وسط المدينة العريقة المحصنة والمحاطة بالأسوار.

حيث تتحدث الدراسات التاريخية أن مسمى القصبة يرجع إلى عهد الفينيقيين الذين استعملوا هذا المكان لموقعه الاستراتيجي آنذاك في التجارة الدولية.

يقع حي القصبة العتيق في أعالي الجزائر العاصمة، وهو من أكبر الأحياء القديمة في الجزائر، حيث تروي كتب التاريخ أن القصبة بُنيت على الأطلال الرومانية أكزيوم منذ أكثر من 2000 سنة من طرف الأمير بولوغين بن زيري بن مناد الصنهاجي.

وفي عهد الإمبراطورية العثمانية، تحولت القصبة إلى مقر للسلطان، بعد أن أعاد العثمانيون بناءها فوق الجبل المطل على البحر الأبيض المتوسط كقاعدة عسكرية، شكلت حصناً منيعاً صامداً ضد أعداء الدولة العثمانية إلى غاية 1830، تاريخ دخول الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر الذي استمر 132 سنة.

أما القصبة في فترة الاحتلال الفرنسي فكانت الحي الذي تحدى فرنسا الاستعمارية حينما انطلقت الشرارات الأولى للثورة بالعاصمة من القصبة تحديداً، بعد تفجرها بمنطقة الأوراس، وفي منطقة القبائل ومنطقة التيطري.

القصبة وفي هذه الفترة الأصعب والأهم في تاريخ الجزائر الحديث، كانت معقل المجاهدين الجزائريين أمثال جميلة بوحيرد، حسيبة بن بوعلي، علي لابوانت، أحمد زبانة، وجميلة بلباشا، فكانت ساحة المجاهدين التي واجهوا وأرعبوا فيها فرنسا الاستعمارية، وكان “دار السبيطار” مخبأهم في الغالب بعد تنفيذ كل عملية، لتكتب وبحروف من دم أحد أهم فصول أعظم ثورة في القرن العشرين.

وبعد الاستقلال، صنفت منظمة اليونيسكو قصبة الجزائر ضمن التراث العالمي عام 1992، فهي الحي الذي بُني قبل اختراع وسائل النقل الحديثة، ويتميز بأزقته الضيقة ووجود أنفاق تحت البنايات والدويرات والقصور، إضافة إلى مجموعة من السلالم، حيث إن مدينة الجزائر مبنية على هضبة تمتد من البحر إلى القمة.

 

دور وأبواب القصبة

القصبة حي عتيق بحجم مدينة، لا يزال إلى يومنا هذا ورغم قِدم أحيائه محافظا على التراث الجزائري الأصيل، فيجد الزائر مساجد وقصوراً ودويرات وحمامات ودكاكين تعود إلى الفترة العثمانية.

حيث كانت القصبة حصناً يُغلق ليلا وله مجموعة من الأبواب في جهاتها الأربع، ومن أهم أبوابها “باب عزون” من جهة الشرق، و”باب الوادي” من الجهة الغربية، ومن جهة البحر نجد “باب الجزيرة”، أما من الجهة العلوية “باب الجديد”.

 

مساجد القصبة

تضم القصبة مجموعة من المساجد التي شيدها العثمانيون منذ خمسة قرون، حيث تظهر بطراز معماري إسلامي، كما تتميز الزخارف الموجودة بها وأسقفها وجدرانها بتداخل فريد عمراني جزائري عثماني.

ومن أقدم هذه المساجد “جامع كتشاوة” الذي بني عام 1612، وفي القرن الـ18 حاول الاحتلال الفرنسي تحويله إلى كنيسة بعد أن استبدل عدداً من نقوشه وزخارفه الإسلامية ببناء الجدران والمداخل على الطريقة المعمارية الفرنسية، فارتكب مجزرة استشهد خلالها 4000 مصل اعتصموا احتجاجاً على قرار تحويله إلى كنيسة.

يوجد أيضاً في الحي العتيق “الجامع الكبير”، و”جامع السلطان”، و”الجامع الجديد”، إضافة إلى عدد من المساجد الصغيرة “كمسجد سيدي محمد الشريف”، و”سيدي عبد الله” و”سيدي بن علي”.

كما يوجد بالقصبة الضريح الشهير “سيدي عبد الرحمن الثعالبي” الذي يعتبر مزاراً كبيراً في هذا الحي العتيق.

 

قصور القصبة

يضم الحي العتيق عدداً من قصور العثمانية في غاية الجمال والتصميم، رغم تعرضها للسرقة والتهديم المتعمد فترة الاحتلال الفرنسي.

ومن بين هذه القصور “قصر أحمد باي” الذي تم تحويله إلى مقر للمسرح الوطني الجزائري، إضافة إلى “قصر الحمرة” الذي تحول إلى دار للثقافة.

تحتوي القصبة أيضاً على “قصر مصطفى باشا”، “قصر الداي” أو كما يعرف “بدار السلطان”، و”قصر الرياس” و”قصر خداوج”، إضافة إلى “قصر سيدي عبد الرحمن”.

 

هل ستنجح حكومة جراد في حماية القصبة؟

ونظرا لأهمية هذا الحي الأثري، فقد خصص اجتماع المجلس الوزاري المشترك المجتمع مؤخرا برئاسة الوزير الأول عبد العزيز جراد لدراسة الملف المتعلق بحماية قصبة الجزائر، وخلاله أصدر الوزير الأول تعليمة إلى جميع القطاعات المعنية لإعداد خارطة طريق مشتركة من أجل وضع استراتيجية شاملة لحماية القصبة.

كما أكد الوزير الأول على متابعته بهدف ضبط المساعي التي باشرتها مختلف القطاعات من أجل ضمان تكفل أفضل بهذا الـملف، وشدّد جراد على الأهمية التي يتعين أن تولى للجانب المؤسساتي المخصص لتسيير برنامج إعادة تأهيل قصبة الجزائر وحفظها.

وأشار الوزير الأول إلى مشاركة المجتمع الـمدني الذي يشكل حتمية ضمن مقاربة تحديد أهداف البرامج الاستثمارية وتقييم إنجازها، وفي ذات السياق نوه جراد أن الحكومة الجزائرية تنتهج المسعى الذي أوصت به لجنة التراث العالمي لليونيسكو. وأضاف الوزير الأول أن تقريرا حول وضعية حفظ قصبة الجزائر سيتم إرساله عن قريب إلى مركز التراث العالمي لليونيسكو، وفي ذات السياق نوه جراد أن الحكومة الجزائرية تنتهج المسعى الذي أوصت به لجنة التراث العالمي لليونيسكو.

والسؤال المطروح هو: هل ستنجح حكومة جراد في حماية القصبة؟

رفيق.أ