إذا كانت هناك قضيَّة تستحقُّ استنهاض الهِمَم وشحْذ العزائم، والتفاف الأمَّة بكلِّ حزم، فهي قضيَّة فِلَسْطين؛ لأنَّها في نظر المسلمين مسألةُ دين وعقيدة، إلى جانب التَّاريخ والجغرافيا ومعاني الأخوَّة الإيمانيَّة والقربى، بالإضافة إلى البعد الإنساني ورفض الظلم والعدوان، ومِن أنكرِ المنكر تقزيمها لتكون مجرَّد قضيَّة فلسطينيَّة داخليَّة، أو عربيَّة قوميَّة، بيت المقدس هي أرض الرِّباط، وعاصمة النبوَّات الرافعة للواء التَّوحيد، مباركة بذاتِها وأكنافها ومرابطيها، وهي الَّتي ستشهد المعركة الفاصلة بين المسلمين واليهود، وتحرير فلسطين وعاصمتها المقدَّسة ومسجدها المبارك، ورجوعها للسِّيادة الإسلاميَّة مسألةٌ لا يشكُّ فيها مَن يؤمن بالقرآن والسنَّة، لكن المسألة هي إعْداد جيل النَّصر المنشود، هذا ما يُنادي كلّ مسلم، وما يَجب الالتفات إليه بجدّيَّة وعملٍ دؤوب مدْروس، طويل المدى، يُصاحبه النَّفَس الطَّويل ورصيد الأمَل والثِّقة الكاملة في الله تعالى ووعده الَّذي لا يخلف. إنَّ منهج إعداد جيل النَّصر يقتضي إفراغ القلوب من الشَّهوات المحرَّمة، وملأها بحبِّ الله والتضحية في سبيل مرضاته، وإفراغ العقول من الشُّبهات والتصوُّرات الخاطئة، وملأَها بالرؤية الإسلاميَّة الأصيلة، الَّتي تربط قضيَّة فلسطين بالعقيدة، لا بالسياسة وحدَها، وتجعل من العمل لأجلها طاعةً لله تعالى، سواء كان إغاثة أو دعمًا إعلاميًّا أو إشهارًا يصوِّر معاناة الفلسطينيين المحاصرين في غزَّة، والمضطهدين في الضفة الغربيَّة. إنَّها قضيَّة دين؛ أي إنَّنا محاسبون على عملنا لها أو تقاعُسنا عنها يومَ يقوم الناس لربِّ العالمين، فكيف يطيب لنا العيش وهم هناك يذودون عن ثالثِ المسْجدين، بصدور عارية، ويتصدَّون للاحتِلال بالحجارة. إن ما يجري في فلسطين المحتلَّة لهو امتحان شديد لأمَّة الإسلام؛ لأن القدس والمسجد الأقصى والبقاع الطاهرة هناك ليست لأهل فلسطين فقط، ولا للعرب أيضًا، بل هي لكلِّ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.