قضية المُسلمين الأولى

  قضية المُسلمين الأولى

اعلم أن فلسطين وقضيتُها هي قضية المُسلمين جميعهم، فهي قضيةٌ تجمّعت فيها كُل المُصائب، تُعدُّ فلسطين الأرض المُقدسة، وهي أرض الأنبياء، وفيها المسجد الأقصى الذي هو أول القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبيّ عليه الصلاةُ والسلام، لقوله تعالى “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”. كما أنها ميراث أجدادنا، ومسؤولية أبنائنا. لهذه الدولة العظيمة تاريخ طويل؛ إذ قد تم فتحها بعد أن توفيّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بستِ سنوات في عهد عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحكمها المُسلمون لسنين طويلة إلى أن احتلها الصليبون، ثم جاء المُسلمون وأخرجوهم منها بقيادة صلاح الدين الأيوبي، ثُمّ قام اليهود باحتلالها، وهي لا تزال تحت قيادتهم وسيطرتهم، ولن تعود إلا كما عادت من قبل تحت رايات الجهاد والمُجاهدين، فالحديث عن فلسطين يجعلُنا نتسائل ماذا قدمنا لها من تضحيات؟ وماذا فعلنا بواجبنا كمُسلمين تجاهها. إن الناظر في تاريخنا الإسلاميّ يجدُ أن الصحابة الكرام ضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل فلسطين، وتتابعت عليها رايات الإسلام، وكُلما حاول الأعداء احتلالها والاقتراب منها، وقف المُجاهدون في وُجوههم بسلاحهم، ووقف العُلماء بكلماتهم، والأغنياء بأموالهم، وأمّا موقف حُكام المُسلمين فقد كان مُشرفاً؛ كعماد الدين زنكي، ونور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبيّ، وقلاوون، والمُظفر قُطز وغيرهم، فقد وقفوا في وقف الحملات الصليبيّة، وزرعوا في نُفوس شُعوبهم روح الجهاد، إلى أن أخرجوا الأعداء من أرض فلسطين.

على مدار التاريخ تجد أن الأعداء يتآمرون مرةً بعد مرة لدُخولها، وإخراج أهلها منها وقتل أبنائها، بل وصل الأمر بهم إلى تدنيس مُقدساتها، وهُنا لا بُدّ للمُسلمين من وقفةٍ في وُجوههم وردعهم، وقد وصف النبيّ صلى الله عليه وسلم حالنا بقوله: “كيف أنت يا ثَوْبانُ إذ تَداعَتْ عليكمُ الأُممُ كتَداعيكم على قَصْعةِ الطعامِ تُصيبون منه؟ قال ثَوْبانُ: بأبي وأُمِّي يا رسولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بنا؟ قال: لا، بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ؛ ولكِنْ يُلقَى في قلوبِكمُ الوَهَنُ قالوا: وما الوهَنُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: حبُّكمُ الدُّنيا، وكراهِيَتُكمُ الموت” فالأمر يحتاجُ منا إلى مُراجعة أنفُسنا، وإصلاح حالنا؛ ويكون ذلك بتقوى الله، وإتباع القُرآن، مع الأخذ بأسباب النصر التي وضحها لنا الله تعالى في كتابه، ورسوله عليه الصلاةُ والسلام في سُنته، وأولها نُصرة الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، لقوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”. كما لا بُدّ للمؤمن أن يكون على يقينٍ بنصره الله لعباده المؤمنين ولو بعد حين. كما علينا أن نوقن بأن الله تعالى سيخذل الكافرين، فقد قال سُبحانه “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ”. فالنصر قادمٌ إلى الإسلام لا محالة، ولكن الله تعالى بحكمته جعل له أسباباً، فهو قادرٌ على نُصرة أوليائه بلا أسباب، لكن لا في نصر في الدنيا بلا أسباب، وبلا جهادٍ وعمل، وأغلى ما يُضحي الإنسان لأجله هو دفاعه عن مُقدساته وعقيدته. فعلى الآباء والمُربين غرس محبة فلسطين ومُقدساتها في قُلوب أبنائهم؛ فقضية فلسطين هي قضية المُسلمين الأولى؛ حيثُ أنها مُرتبطةٌ بأنبيائهم من آدم عليه السلام إلى نبينا مُحمد عليه الصلاةُ والسلام.

 

من موقع الالوكة الإسلامي