قصة وعبرة.. مع التوابين

قصة وعبرة.. مع التوابين

 

روى ابن قدامه في كتابه التوابين أن رجلاً يقال له دينار العيار، كان مسرفاً على نفسه في الذنوب والآثام و كانت له والدة تعظه ولا يتعظ فمر في بعض الأيام بمقبرة كثيرة العظام فأخذ منها عظما نخرا فانفت في يده ففكر في نفسه وقال لنفسه ويحك كأني بك غدا قد صار عظمك هكذا رفاتاً والجسم ترابا وأنا اليوم أقدم على المعاصي فندم وعزم على التوبة ورفع رأسه إلى السماء وقال إلهي إليك ألقيت مقاليد أمري فاقبلني وارحمني ثم مضى نحو أمه متغير اللون منكسر القلب فقال يا أماه ما يصنع بالعبد الآبق إذا أخذه سيده فقالت يخشن ملبسه ومطعمه ويغل يده وقدمه فقال أريد جبة من صوف وأقراصا من شعير وتفعلين بي كما يفعل بالآبق لعل مولاي يرى ذلي فيرحمني ففعلت ما طلب، وصدق دينار في توبته!! واجتهد في العبادة ودوام على الطاعات فكان يصوم النهار ويقوم الليل يبكي وينوح على ذنوبه وخطاياه السالفات وكان إذا أقبل عليه الليل، وقف في محرابه يناجي ربه ويبكي ذنوبه السالفات.

فكان إذا جنه الليل أخذ في البكاء والعويل ويقول لنفسه ويحك يا دينار ألك قوة على النار كيف تعرضت لغضب الجبار وكذلك إلى الصباح فقالت له أمه في بعض الليالي ارفق بنفسك فقال دعيني أتعب قليلا لعلي أستريح طويلا يا أمي إن لي موقفا طويلا بين يدي رب جليل ولا أدري أيؤمر بي إلى الظل الظليل أو إلى شر مقيل إني أخاف عناء لا راحة بعده وتوبيخا لا عفو معه، فمرت به في بعض الليالي في قراءته ” فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” الحجر:92- 93، ففكر فيها وبكى وجعل يضطرب كالحية حتى خر مغشيا عليه فجاءت أمه إليه ونادته فلم يجبها فقالت قرة عيني أين الملتقى فقال بصوت ضعيف إن لم تجديني في عرصة القيامة فاسألي مالكا عني ثم شهق شهقة مات فيها فجهزته وغسلته وخرجت تنادي أيها الناس هلموا إلى الصلاة على قتيل النار فجاء الناس فلم ير أكثر جمعا ولا أغزر دمعا من ذلك اليوم .