كثيرون هم أترابي الذين ما زالوا يتذكرونه، إنه بائع حلوى السوسات ذي الشنبات الطويلة، هو رجل طويل القامة يحمل قطعة من حلوى السوسات الطرية معشوقة أطفال المدينة بكل أحيائها …حتى الكبار يحبون تناول هذه الحلوى الجميلة ذات الألوان المزركشة، هي قطعة كبيرة وقد عجنت من مواد ذات ذوق رفيع يضعها على قضيب خشبي وهي على شكل أسطواني وهي حلوى مطاطة يبيع منها قطعا يستعمل سكينا لقطع أجزاء منها ثم يقوم بمطها مطا…
يطوف أحياء المدينة التي ينتظره سكانها بفارغ الصبر أطفالها وحتى الشيوخ والعجائز الذين يعشقون طلته الجميلة، فهو لا يتأخر في أداء أغنيته الشهيرة حول هذه الحلوى وهو يحرك رأسه حركة دائرية وكانت شنباته تتراقص على أنغام أغنيته: حلوات السوسات آهي جات وجابوها في الكاليشات… ويا ويحها وين تبات!؟
كان الأطفال يحلقون حوله في كل الأحياء ويبتاعون منه الحلوى وحتى أولئك الذين ليس لهم نقود لهم نصيب من حلوى السوسات اللًذيذة هو صديق الأطفال…
كل أحياء المدينة تعرفه وتعشق إطلالته وعندما يطيل الغياب، تسود الرتابة والملل يفتقده الأطفال وحتى الكبار، كانت أمي تحرص على جمع دريهمات من بيعها لبيض دجاجاتها لإقتناء هذه الحلوى اللذيذة…
كانت حلوى السًوسات إلى وقت قريب من علامات المدينة المميزة وشاءت الأقدار أن يرحل هذا الرجل بعد صراع مع المرض في صمت، لتبقى شوارع بسكرة تفتقد أغنيته الجميلة بحركة رأسه وعينيه وشنبه، أما الأطفال فقد صاروا رجالا وبقيت أسطورته أغنية تحكى للأجيال…
وتبقى مدينتي تأكل أبناءها في صمت مقيت وحزن يسود شوارعها التي فقدت كثيرين من أمثاله الذين غابوا وغابت معهم حكاياهم التي ترددها جدران المدينة وشوارعها وأعجاز نخلها وصوامع مساجدها …وتبقى ذكراهم مؤجلة إلى حين…
حركاتي لعمامرة