قصة قصيرة.. عندما يزهر الخريف

قصة قصيرة.. عندما يزهر الخريف

 

“بين الرموش يسكن البيت الصغير، وبالحب تصير له أجنحة قوية”..هكذا كانت تردد بابتسامة عذبة جميلة، يفوح منها عطر الأمل وإكليل الزهر الفاتن…
كانت دائما تبتسم رغم سواد الخلاف، رغم الظروف الصعبة التي تجتاح المشاعر… غير مهتمة لمرضها الخطير، الذي يقتطع منها كل يوم نسمة من نسماتها، وعطرا من عطور ملامحها…
المهم عندها.. أن تقاوم لآخر لحظة، لآخر رمق في جعبتها الطاهرة الصافية، كانت لا تخاف الموت، لأنه – في نظرها- سيطرق بابها يوما بدون استئذان، كضيف جميل ينقلها لعالم الخلد البهي بكل تجلياته، وسيزرعها ورودا زاهية لا تذبل أبدا .
بل الغريب أنني بدأت أحسدها على ما تملك، وأخاف عليها في نفس الوقت، أن تتلاشى وتتطاير في أية لحظة من الزمن، الذي نادرا ما نصادف فيه، هذا النوع من الورود…
كلما اقترب موعد الرحيل، كانت تبتهج كالقمر… مما يجعلني أشك في نفسي، وأتخيل حياتي هي المريضة، من كثرة ارتجافي و خوفي عليها من الموت الذي لا يرحم، ولا يطرق الأبواب أبدا للإستئذان… عكس ما كانت تفعل هي بكل أدب وتواضع عندما تريد أن تتكلم معي في موضوع ما.. وأجيبها بدوري مبتسما :
“ما أجمل خلقك يا وردة الروض الحية”، فتحمر وجنتاها خجلا كلؤلؤة إنسانية لا تقدر بثمن…
تتسارع الأيام التي حددها الطبيب كحد أقصى لحياتها، وكأن الموت يسعى إليها مهرولا، مبتسما.. وتزداد هي إشراقا وجمالا لا حدود له، بل لا عبارات تصف ذلك التناسق البهي بين اقتراب الموت وبريق وجهها الملائكي الذي لا يفارق مخيلتي.. وكأنني قمر مظلم يستمد منه الضوء لينير طريقه في سمائه الداجنة ….
وعند اقتراب لحظة الموت، ضاق صدري وبدأت أضلعي تتداخل فيما بينها.. رحل بريق وجهي يبحث عني تائها بين شعاب أحاسيسي الجامدة، فجد بي العطش وبلغ مني مرماه، وصارت واحات صدري تفقد آخر قطراتها من الماء.. واستسلمت أنا بدوري للموت لولا أن سمعت صوتها الجميل يشدو كالبلبل…”ما زلت على قيد الحياة”.

فواز. ح