قصة قصيرة ..بائع العصافير

قصة قصيرة ..بائع العصافير

العصافير تحلق مرتفعة تزقزق لأنها لا تهبط على الأرض لا تسير بيننا، بيوتها أغصان الشجر، يومها سماوات زرقاء، فهل ستكلّ يوما من الزقزقة، يرفع رأسه إلى الشجر يرى العصافير، يلاحظها تتحرك ولا تتوقف عن الحركة وكأنها خلقت للرقص والغناء، يسأل والده “لماذا العصافير لا تمشي على الأرض مثلنا، لماذا تعيش بين السماء والأرض.. هل هي خير منا؟!”، يرد والده ردا مقتضبا “يمكن أن يكون ذلك لأنها تعلّم الناس الحرية ولهذا نحن نبيع الدجاج ولا نبيع العصافير”، تمر السنوات يرث الابن كل شيء وحينما أتت الإنفلونزا الملعونة كسدت تجارتهم فانتهت، ولكن العصافير ظلت كما هي رموز الحرية على الأرض، في يوم كان يجلس في المقهى.. وهناك أمام المقهى شجرة تجاوز عمرها عشرات السنين يأتي الغروب وتلتف في دوائر العصافير ككل يوم.. هل الغروب كان كفيلا بأشعته الأرجوانية أن يدفعه إلى الفكرة دفعا أم أن دوائر العصافير كدوائر لا نهائية أوقعته في فخ الدوائر المفرغة يقف تحت منتصف الشجرة، يتابع بصبر حركة العصافير، وتسقط الشمس !!
*2*
بعد منتصف الليل موعد جيد للصيد، العصافير على الشجر ساكنة لا تتحرك في الليل، الليل موت بالنسبة لكائنات الحرية أو الليل بيت العابثين، يجيد صنع شبكته حول شجرة ما ككل يوم، وبحركة واحدة يفزعهم فيتساقطون،… انتصار مزيف !!
*3*
غرفة في بيت متهالك لم يحن للفجر موعد، إضاءة صفراء خفيفة، وعاء كبير به ماء ساخن، يتذكر نظرته لهم حينما كان صغيرا لم يكن يريد أكثر من صديق منهم يعلمه كيف هي الحرية ولكنه كبير الآن وحر.. حر في اصطياد المئات منهم دون أن يمنعه أحد، ما فائدة الغناء.. اللف في دوائر الهروب إلى السماء إن كانت لا تحمي كائنات ملائكية مثلهم، يمسح سكينته الصغيرة في طرف قميصه المهترئ، يدخن آخر نفس في سيجارته التي أشعلها وأطفأها طوال اليوم، اقترب من أول عصفور نظر له وأخبره “حريتك ليست إلا مزيدا من عطش الشمس تشرق كي ترقص ومغيب كي تدور في دوائر بديعة لا نهائية، حريتك عبودية وسأخلصك منها كي تظل حرا”، يفصل الرأس عن الجسم بهدوء شديد يكررها مع كل العصافير، يلقيهم في الوعاء ينزع عنهم الريش ويضعهم في وعاء آخر، ويبدأ مشواره إلى الميدان الفقير الواسع !!
*4*
في الطريق، يشق الفجر السماء، ما أجمل هذا المنظر وصوت العصافير تثير في قلبه بهجة، كل هؤلاء له وحده سينهي مهمته اليوم كي يكررها غدا سيبيع العصافير الحرة إلى كائنات غير حرة كي يصبح هو الحر الوحيد بينهم !!
*5*
الظهيرة في الميدان الواسع يتذكر صوت والده “الناس في بلدنا بسطاء يا ولدي ويحبون الذي يساعدهم، والتاجر الشاطر الذي يستغل كل فكرة ويكسب منها من غير ما يستغل الناس”، ينتبه، يقلب العصافير في الوعاء، وحينما يلمع لونها، يصفيها من زيت شبه أسود ويضعها في وعاء آخر، يمد المنتظرون أيديهم في لهفة، أطفال شوارع فقراء، باعة جوالون يكون للجميع منهم نصيب والعصفور لا يكلف أحدهم سوى دنانير معدودة فقط، يكرر العملية حتى ينتهي كل ما في حوزته، فيدعو أن تدوم العصافير على الأشجار كي يصبح للأبد “بائع العصافير”.

س. ح