قصبة الجزائر… ثغرات في الترميم والخبراء يطالبون بإفراغ القصبة من سكانها

elmaouid

تعيش القصبة أسوأ مراحلها جراء الثغرات الكبيرة التي طالت عمليات الترميم بدليل سقوط عمارة لم يمر وقت طويل على ترميمها، مخلفة 5 قتلى وعائلات مشردة، حيث أن أكثر من 600 بناية من الطراز العربي الأندلسي في حي القصبة ما زالت صامدة أمام أهوال الطبيعة والزمن في انتظار أشغال إعادة الترميم المعلن عنها، والتي “طال إنجازها” بسبب “عدم وجود رؤية واضحة وغياب الوسائل البشرية والتعاون بين مختلف القطاعات” بعد مرور 8 سنوات عن المصادقة على المخطط الدائم لحفظ قصبة الجزائر، حسب ما أكده معماريون.

ورغم تخصيص غلاف مالي أولي في 2013 يقدر بـ 27 مليار دج، إلا أن آمال السكان قد تبخرت أمام وضعية هذه المنازل التي تتفاقم حالتها يوما بعد يوم، ويزيد وجود أكثر من 400 قطعة أرض شاغرة و120 بناية آيلة للسقوط من تأزم الوضع بتهديدها صلابة النسيج العمراني.

وأمام هذا الوضع، يجد سكان الحي أنفسهم من الناحية الإدارية في كرّ وفر بين ديوان تسيير واستغلال الأملاك الثقافية والوكالة الوطنية للقطاعات المحمية، ويزيد مشكل تحويل قاطني القصبة بشكل نهائي أو مؤقت من عرقلة عملية إعادة ترميم البيوت -التي ما يزال بها سكانها الأصليون أو من احتلوها بصفة غير شرعية مما يستلزم إخلاءها- علما أن عملية إعادة الإسكان هي من صلاحية لجنة مشتركة بين وزارة الثقافة وولاية الجزائر.

ويرفض سكان القصبة الذين أنهكهم تعاقب الدواوين والمؤسسات “تجديد شكاويهم مصرين على “ضرورة أن تتقدم عملية الترميم بخطى ملموسة”.

في ظل هذه الأوضاع، قررت صاحبة منزل شبه منهار بيعه لمقاول “خاص” حتى لا تجبر على القبول بالسعر الذي تقترحه الدولة لإعادة شراء هذه العقارات، والذي يعد، حسبها، “زهيدا” مقارنة بأسعار سوق العقار.

وتبقى دويرات (بيوت) القصبة الأكثر حظا واقفة مستندة على الأعمدة الخشبية التي أضحت مع الوقت مجرد ركائز تآكلت بفعل الرطوبة. ومع مرور الزمن تزيد حالة الحي تدهورا، حيث أصبحت أكوام المخلفات المتساقطة من البنايات تسد ممرات الحي المرصوصة وتعيق الحركة لتزيد من معاناة السكان بفقدانهم للمعالم التي تعودوا عليها.

 

التعجيل بترحيل سكان القصبة في أقرب وقت تفاديا لانهيارات محتملة

من جهتهم، طالب أعضاء “مؤسسة القصبة” بالعاصمة بالتعجيل في ترحيل سكان القصبة في أقرب وقت ممكن وذلك بسبب الحالة المزرية للمباني سواء الدويرات أو العمارات الكولونيالية تفاديا لانهيارات محتملة لاحقة.

ودعا أعضاء “مؤسسة القصبة” في حديثهم مع ممثلي الصحافة الوطنية عن تبعات انهيار العمارة بشارع تامقليت بالقصبة السفلى، السلطات العمومية إلى “التعجيل في إعادة إسكان وترحيل سكان المباني القديمة سواء الدويرات أو العمارات ذات الطابع الكولونيالي تجنبا لانهيارات أخرى”، واعتبروا الوضع الحالي “غير مطمئن”.

وقال علي مبتوش رئيس المؤسسة، إن الانهيار الذي أودى بحياة 5 أفراد من عائلة واحدة الأسبوع الماضي هو نتيجة “سوء تقدير الوضع الذي آل إليه القطاع المحفوظ”، وأردف أن “كل السياسات المطبقة لترميم وحماية القصبة أثبتت اليوم فشلها”.

وألقى المتحدث “مسؤولية” الانهيار وتبعاته المأساوية على عاتق “المسؤولين على الإدارة سواء في قطاع الثقافة أو الولاية”. وانتقد في السياق ذاته “الطريقة السطحية” في التعامل مع البنايات و”الاكتفاء بالتزيين بدل الترميم الفعلي” و”التركيز على إعادة واجهات مباني الشوارع الكبرى في إطار المخطط الاستراتيجي للتهيئة العمرانية لولاية الجزائر”.

وذكّر في ذات الشأن بالسياسات المتعاقبة على القصبة منذ 1998 والتي “تماطلت” حسبه في ترحيل العائلات إلى سكنات لائقة، ناهيك عن “عدم تزويد المدينة القديمة بشرطة عمرانية تراقب السكان وتمنع أي محاولة لاقتحام المنازل الشاغرة آنذاك”.

وأكد من جهته عضو بالمؤسسة بوغرارة اسماعيل وهو خبير قانوني، أنه “كان على الولاية أن تتعامل بصرامة أكبر مع السكان الذين رفضوا إخلاء العمارة، خاصة بعد أن أثبتت الخبرة التقنية هشاشة الموقع”.

بدوره يرى رضا عمراني، نائب الرئيس، أن سكان القصبة اليوم يعيشون “على فوهة بركان”، وأن “انهيارات لاحقة تهدد القاطنين في العمارات أو المنازل في أي لحظة”، كاشفا عن وجود 400 عمارة كولونيالية في محيط القصبة السفلى لا تصلح للإقامة بها.

وخلال معاينة ميدانية، لاحظت “واج” استعمال نوعية الخشب الأبيض سواء في الأبواب أو الدعامات التي قد “لا تقاوم مزيدا من العوامل الطبيعية”، حسب المتحدث.

ورافع السيد عمراني من أجل “شفافية” في تسيير الأموال الموجهة للترميم والمحافظة على القطاع المحفوظ، قائلا إن المواطن “يدفع في فواتيره ضريبة السكن مقابل خدمة عمومية ضعيفة”.

ونبّه المتحدث إلى الوضع البيئي “المتردي” في القصبة، بالقول إنه لولا جهود أعوان مؤسسة النظافة نات. كوم “الذين يرفعون يوميا 90 % من النفايات المنزلية”، لتحولت مفارغ النفايات إلى مرتع لانتشار الحشرات والجرذان.

وما تزال عديد العمارات بشارع تامقليت تقطنها عائلات كما هو حال العمارة 12 و 13 حيث يسكن حركات فاتح، الذي حمّل بلدية القصبة “التلاعب بقوائم المرحلين في سنوات سابقة”، مشيرا إلى أنها عمارات شهدت تعديلات وتوسعات داخلية وعلى الأسطح ما “يضاعف” خطر انهيارها.

وأوعز معطوب محمد بصفته أقدم عضو في مؤسسة القصبة، أسباب تراجع الحالة العمرانية للقصبة ومحيطها إلى “اختفاء” مهنة مسيّر العمارة وتحويل السكنات الأرضية إلى محلات تجارية وورشات وإحداث تغييرات داخلية عليها دونما وجود مراقبة صارمة في هذا الشأن.

رفيق.أ/ الوكالات