وجد فلاحو قرية “لمداود” ببلدية مسعود بوجريو أنفسهم محاصرين بالعامل الجغرافي والإداري، فارتفاع منسوب مياه وادي الرمال بسبب سد بني هارون، قطع عنهم الجسور نحو أراضيهم في الضفة الأخرى، بينما يحول انتماؤهم الإداري لولاية قسنطينة دون استفادتهم من شبكة المياه والغاز التي لا يفصلهم عنها إلا الطريق الوطني رقم 27.
وطالب هؤلاء الجهات الوصية بالتدخل لمدهم بالمياه من أجل إنقاذ مزروعاتهم، التي تقلصت كثيرا بسبب تلوث الشعبة الوحيدة المستعملة في السقي، فضلا عن تغيير مسار قنوات الصرف التي يتم تمديدها من بلدية قرارم قوقة لحماية المنبع الوحيد المستعمل في الشرب وسقاية الماشية، من التلوث، حيث يتطلب الوصول إلى “لمداود” بعين كرمة مغادرة الحدود الإدارية لولاية قسنطينة باتجاه ولاية ميلة، عبر الطريق الوطني رقم 27 الفاصل بين هذه القرية التابعة لبلدية مسعود بوجريو بقسنطينة و”عين الثور” التابعة لبلدية قرارم قوقة بميلة، كما لاحظنا عند اقترابنا من القرية الواقعة على الضفة الجنوبية من الطريق آليات وعمالا يقومون بعمليات حفر، محاطين بمجموعة من أجزاء القنوات الخرسانية ذات الحجم الكبير، والمستعملة في مد قنوات الصرف الصحي.
قنوات الصرف تهدد منبع المياه
وأخبرنا سكان القرية أن موقع الأشغال امتداد لورشة على مستوى بلدية القرارم في الجهة المقابلة، في حين قادونا معهم إلى غاية منبع طبيعي محاذي لشعبة مياه تنحدر من أعلى الطريق إلى مصبها الأخير بضفة سد بني هارون عند التقائه بوادي الرمال، حيث أوضح السكان أن مسار القناة سيؤدي إلى تلوث المياه الجوفية للمنبع، الذي لاحظنا أن تدفقه ليس قويا، في حين يؤكد محدثونا أنه لم يسبق أن أجريت عليه تحاليل للتأكد من صلاحيته للشرب، فقد حفره آباؤهم الذين سكنوا القرية منذ نهاية السبعينيات وما زال مستعملا إلى اليوم، في حين أكدوا أنهم لا يعارضون أن تغير المقاولة مسار الأشغال، كما أضاف السكان، الذين يشتغلون في الفلاحة وتربية الأنعام، أن المنبع يمثل المصدر الوحيد لسقي الأغنام والشرب، بالإضافة إلى مياه الصهاريج التي يقومون بملئها بمعدل صهريج واحد على الأقل في اليوم من وادي وزرق الذي يبعد حوالي ستة كيلومترات عن القرية، في حين أكدوا أن مياه الشعبة قد صارت ملوثة أيضا، بسبب القنوات التي تم وضعها من قبل، إذ تنتهي إلى محطة تصفية صغيرة وغير مغطاة، لاحظنا أنها ممتلئة بالمياه القذرة، فضلا عن انبعاث رائحة كريهة منها وانتشار أسراب كثيفة من الحشرات حولها.
تلوث المياه يهدد طموح الفلاحين
وطرح فلاحو قرية “لمداود” الذين تمتد أراضيهم الشاسعة على مساحة تفوق السبعين هكتارا، مشكلة تلوث مياه الشعبة، فبالقرب من نقطة التصفية، التي اعتبرها السكان مجرد نقطة تجميع، يوجد منفذان لمياه الصرف التي تواصل مسارها في الشعبة إلى غاية السد، في حين أوضح لنا الفلاحون أن الشعبة تتعرض للتلويث قبل وصول المياه إلى نقطة التصفية، بسبب وجود بعض القنوات العشوائية التي تصب فيها على مستوى قرية “عين الثور” بالجهة المقابلة، حيث اضطر الفلاحون خلال السنوات الأخيرة إلى التخلي عن زراعة الأشجار المثمرة مثل المشمش والعديد من الأصناف الأخرى بسبب شح المياه، حيث شرحوا لنا الأمر بالقول إن الشعبة كانت تمثل المصدر الأساسي للسقي، لكن اختلاطها بالصرف الصحي حرمهم من الاستثمار في المزروعات التي تتطلب كثيرا من المياه، وتتضرر من استعمال مياه غير صافية، على غرار المشمش و”الدراق”.
وتقتصر مزروعات فلاحي “لمداود” بحسب ما لاحظنا على الفول والقمح والشعير، بالإضافة إلى فول العلف و”البازلاء” وحبوب أخرى يحصلون على بذورها من مخازن ديوان الحبوب، كما أن البعض منهم يربون الأبقار، في حين لا يقوم أي منهم بتربية الدجاج، بحسب ما أكدوه لنا، في الوقت الذي تم الوقوف على بعض أشجار الزيتون المنتشرة في أراضيهم، حيث نبهوا في حديثهم إلينا أنها لا تتأثر بمشكلة نقص المياه، فضلا عن أنها لا تتأثر باختلاطها مع مياه غير صالحة.
الأراضي مغلوقة بسبب مكان السد
وقد عبر أحد الفلاحين عن وضعية القرية بالتأكيد على أنه يفضل جلب مياه الصهاريج بنفسه على أن يسمح لماشيته بالارتواء من السد، بسبب كثافة الأوحال المنتشرة على ضفته، حيث أشار إلى أنه يخشى أن تعلق في الوحل، فضلا عن أنه غير واثق من عدم احتواء المياه على ما يضر بخِرافه، مثلما قال، حيث لاحظنا مجموعة من الأراضي على الضفة المقابلة خلف وادي الرمال غير بعيد عن قرية مسيدة المطلة على سد بني هارون، حيث أخبرنا الفلاحون أن ملكية جزء منها تعود إليهم، لكن ارتفاع منسوب مياه الوادي بسبب السد قد جعل الوصول إليها صعبا ولا يتم إلا انطلاقا من الجهة الأخرى، خصوصا عند الرغبة في زراعتها.
وأوضح محدثونا أنهم ينتظرون بـ”فارغ الصبر” إتمام عملية إنجاز جسر دار الوادي، الذي سيختصر الثلاثة والأربعين كيلومترا التي يقطعها الفلاحون للوصول من عين كرمة مركز إلى أراضيهم إلى ثلاثة عشر كيلومترا فقط، كما أنهم لن يكونوا مضطرين إلى العبور من خلال ولاية ميلة. وطالب سكان القرية بتزويدهم بشبكة المياه والغاز، حيث أكدوا لنا أن مجموعة منهم تخلت عن الإقامة في أراضيها بسبب المشكلة وانتقلوا إلى أماكن أخرى، كما عبروا عن استغرابهم من استفادة قرية عين الثور التي لا يفصلهم عنها إلا طريق سريع من الغاز والماء على عكسهم.
“مير” مسعود بوجريو: “لهذا قررنا وقف أشغال تمديد قنوات الصرف”
وأفاد رئيس بلدية مسعود بوجريو، أحمد زعطوط، في حديث خاص معه، أن مصالحه قد أمرت بوقف أشغال مشروع تمديد قنوات الصرف الصحي من بلدية قرارم قوقة، حيث قال “المير” إن السبب يعود إلى كونها موجهة لتصب مباشرة في مياه سد بني هارون، موضحا أن المشروع تابع لقطاع الري والمواد المائية، مضيفا أن التوقيف كان بداية شهر فيفري، بعدما أمر الوالي السابق بذلك في زيارة إلى المنطقة، فيما أوضح أن نقطة التصفية ليست أكثر من نقطة تجميع لمياه الصرف الصحي، كما أن البلدية تحوز تقريرا عن وضعية الورشة.
ونبه رئيس البلدية أن عدد سكان القرية ضعيف جدا، مشيرا إلى انعدام شبكة الغاز تماما في المكان، بالإضافة إلى غياب شبكة المياه، في حين أوضح أن والي قسنطينة السابق وعد في زيارته بالنظر مع السلطات الولائية لميلة بدراسة إمكانية تزويدهم منها.
أيوب. ح