قرة العيون وبهجة النفوس

قرة العيون وبهجة النفوس

الأبناء هم قرة العيون، وبهجة النفوس.. وهم زينة الحياة، وكلنا يسعى في تربية ولده وصلاحه، ولا تتم لنا سعادة حتى نراهم صالحين مطيعين لربهم نافعين لأنفسهم ودينهم وأوطانهم. وإن من أعظم أسباب صلاح الذرية ـ بعد الأخذ بالأسباب المادية ـ كثرة الدعاء لهم والتضرع إلى الله ليصلحهم. وهذا الدعاء للأبناء هو منهج السادة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، وهم أعلم الناس بطرق التربية الصحيحة، وأحرص الناس على أولادهم وما يصلحهم.. وقد كانوا صلوات الله عليهم يدعون الله لأبنائهم بالصلاح قبل ولادتهم وبعدها. هذا إبراهيم عليه السلام يدعو الله ويقول “رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ” الصافات:100. وزكريا يدعو بعد أن كبرت سنة وامرأته عاقر: “رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ” آل عمران:38. وهو القائل “فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا” مريم:5، 6. والوراثة هنا وراثة النبوة والدعوة وليست وراثة المال وحمل الاسم، لأن الأنبياء لا يورثون كما قال صلى الله عليه وسلم: “نحنُ معشرَ الأنبياءِ لا نورَثُ ما ترَكناهُ فهو صدقةٌ” وهو في البداية والنهاية، وأصله في صحيح مسلم قال “لا نورَثُ ما ترَكناهُ فهو صدقةٌ”. وامرأة عمران رضي الله عنها لما علمت أنها حملت دعت ربها سبحانه وقالت: “رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” آل عمران:35. فاستجاب الله دعاءهم، ووهبهم الذرية الطيبة.. فهل توقفوا عن الدعاء لهم؟.

هذا إبراهيم عليه السلام يدعو لأولاده ويقول “وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ” إبراهيم:35، ودعا لهم أيضا بقوله: “رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ” إبراهيم:40. ولما وضعهم عند البيت دعا ربه بالدعاء المشهور “رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” إبراهيم:37. فدعا لهم بصلاح الدين، وسعة الرزق، ومحبة الخلق، وأن يكونوا من الشاكرين. وامرأة عمران لما وضعت وخرج المولود أنثى، لم يمنعها ذلك أن تَهَبَها لخدمة بيت المقدس، وأن تدعوَ ربها ليحفظها ويُنبتَها نباتًا حسنًا، بل دَعَتْ بما هو أكبر من ذلك؛ فقالت ” وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ” آل عمران:36. فكانت ثمرة هذه الأدعية ما تعلمون. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو سيد النبيين ـ يعلم أمته هذا الأمر، فيأمرهم بالدعاء لذرياتهم قبل مجيئهم وبعد أن يرزقهم الله إياهم. روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَمَا لو أنَّ أحَدَهُمْ يَقولُ حِينَ يَأْتي أهْلَهُ: باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطانَ، وجَنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقْتَنا، ثُمَّ قُدِّرَ بيْنَهُما في ذلكَ، أوْ قُضِيَ ولَدٌ؛ لَمْ يَضُرَّهُ شَيطانٌ أبَدًا”. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر المسلمين بأن يكثروا من الدعاء لأولادهم، ويعلمهم أن دعوة الوالد لولده مستجابة لا ترد: “ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ: دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ، ودعوةُ الصائِمِ، ودعوةُ المسافِرِ” البيهقي وحسنه الألباني.

من موقع الالوكة الإسلامي