تعتبر العلاقة بين أهمية ونوعية غذاء الأم وصحة أطفالها الجيدة في المستقبل من الأمور المتعارف عليها بين الأمهات، على اختلاف خلفياتهن الاجتماعية والثقافية، وذلك حتى قبل انتشار الوعي الصحي الحالي
بضرورة متابعة الأم أثناء حملها، إضافة إلى تجنب قائمة معينة من الأدوية والأغذية على حد سواء.
وقد حملت واحدة من أحدث الدراسات التي تناولت هذا الأمر، ونشرت في شهر جانفي من العام الجاري، مفاجأة للأمهات اللاتي يلتزمن بتجنب الأغذية التي تحتوي على كربوهيدرات، أو الإقلال تماماً منها، حيث أشارت تلك الدراسة إلى أن ذلك السلوك الذي يبدو صحياً قد يحمل مخاطر إنجاب طفل مصاب بعيوب خلقية في الجهاز العصبي.
عيوب الجهاز العصبي
من المعروف أن حالات العيوب الخلقية في الجهاز العصبي كانت قد تناقصت بشكل كبير في معظم أنحاء العالم، والولايات المتحدة بشكل خاص، نظراً لاحتواء معظم الرقائق والحبوب الكاملة على حمض الفوليك، وذلك تبعاً لتوصيات “وكالة الغذاء والدواء الأمريكية” بضرورة أن يحتوي كل 100 غرام من هذه الحبوب على 140 ميكروغراماً من حمض الفوليك.
ويقوم هذا الحمض بدور بالغ الأهمية في الوقاية من العيوب الخلقية الخاصة بالجهاز العصبي، الذي يبدأ تكوينه في الجنين من خلال ما يسمى بالأنبوبة العصبية، ومن خلال انقسام الخلايا في الأنبوبة العصبية، تقوم بتكوين الجهاز العصبي بشكله الكامل، بداية من المخ والأعصاب والحبل الشوكي، وكذلك الأعصاب الطرفية، وهو الأمر الذي جعل من تناول أقراص حمض الفوليك أمراً روتينياً بالنسبة للسيدات الحوامل.
وقبل استخدام حمض الفوليك، كثيراً ما كانت تحدث عيوب خلقية أثناء عملية انقسام الخلايا، وهو ما كان يطلق عليه عيوب تكوين الأنبوبة العصبية، ومن أشهر هذه العيوب عدم وجود المخ أو أجزاء كبيرة منه، وكذلك الجمجمة، أو عدم التئام تكوين الحبل الشوكي بشكل كامل، مما يجعله أقرب إلى المشقوق.
وبالطبع، كانت هذه العيوب الخلقية تتسبب في نهاية الحمل وموت الجنين. وتكمن المشكلة الآن، حسب الدراسة الجديدة، في أن كثيراً من الأمهات اللاتي يبتعدن تماماً عن أي طعام يحتوي على الكربوهيدرات، مثل الخبز والرقائق والمعكرونة المختلفة (هذه الأغذية تحتوي بالطبع على حمض الفوليك، حسب التوصيات)، يفتقدن إلى وجود النسب المعقولة من حمض الفوليك التي تحافظ على سلامة الجهاز العصبي الوليد للجنين.
وأوضح الدارسون أن سعي الأمهات للالتزام بحمية صحية صارمة، نتيجة لزيادة الوعي الصحي فيما يتعلق بالغذاء وضرورة الإقلال من الكربوهيدرات، والأضرار المترتبة على تناولها، لا يجب أن يتم تطبيقه في وقت الحمل، حتى لو كانت الأمهات يتناولن الطعام الصحي الكافي، حسب تصورهن، خصوصاً إذا كانت تلك الحمية غير خاضعة للإشراف الطبي. وأشاروا إلى ضرورة أن تتناول الأم أقراص حمض الفوليك أثناء الحمل، إذا كانت لا تتناوله من خلال الغذاء، ويكفي أن نعرف أنه منذ تطبيق تطعيم المخبوزات والرقائق والحبوب بحمض الفوليك، كان ذلك مانعاً لحدوث 1300 حالة من الأطفال الذين يعانون من العيوب الخلقية العصبية في الولايات المتحدة فقط.
خطر تقليل الكربوهيدرات
وللتأكد من هذه الفرضية، قام العلماء من جامعة نورث كارولينا بالولايات المتحدة بفحص بيانات 11.285 من النساء الحوامل من عدة ولايات أميركية، اللاتي وضعن في الفترة منذ عام 1998 حتى عام 2011، وهذه البيانات كانت من خلال المركز الوطني لمنع العيوب الخلقية، وتم نشر هذه الدراسة في مجلة “أبحاث العيوب الخلقية”، وأظهرت نتائج هذه الدراسة أن من بين المشاركات كانت هناك 1740 سيدة وضعن أطفال متوفين داخل الرحم، ومنهن من عانين من انشقاق الحبل الشوكي، أو عدم وجود للمخ.
وقد تم عمل استبيان للأمهات، حول تناولهن لحمض الفوليك، وكذلك الغذاء الذي يحتوي على الكربوهيدرات، وأيضاً تعاطيهن للكحوليات من عدمه، وكذلك معلومات عن العرق ومستوى التعليم والمستوى الاجتماعي. وبعد فحص البيانات، تبين أن مستوى تركيز حمض الفوليك عند النساء اللاتي تناولن الحمية ذات الغذاء منخفض الكربوهيدرات كان أقل من النصف للسيدات الأخريات. وفي المجمل، كن أكثر عرضة لإصابة أولادهن بالعيوب الخلقية للأنبوبة العصبي والجهاز العصبي، بنسبة 30 في المائة من الأخريات اللاتي لم يلتزمن بالمنع الكامل للكربوهيدرات.
وأوضح الباحثون أنه على الرغم من أن النساء تناولن أقراص حمض الفوليك أثناء الحمل، فإن كثيراً من حالات الحمل قد تحدث من دون تخطيط مسبق، مما يعني أنه حتى في حالة تناول الأقراص، تكون هناك فترة من الوقت قبل اكتشاف الحمل لم تتناول فيها الأم حمض الفوليك. وأثناء اكتشاف الحمل، ربما تكون العيوب الخلقية قد حدثت بالفعل أثناء تكوين الجنين. ولذلك، فإن تناول حمض الفوليك من خلال الغذاء يعتبر أفضل كثيراً، إذ أنه يوفر عاملاً من الأمان لوقاية الطفل في حالة حدوث الحمل من دون تخطيط.
وتبعاً لدراسات سابقة، فإن هناك 20 في المائة من النساء الأميركيات لا يتناولن الكميات الكافية من حمض الفوليك لازدياد شعبية الأنظمة الغذائية الخالية من الكربوهيدرات. وفي النهاية، حذرت الدراسة من اتباع الحميات الغذائية من دون استشارة طبيب مختص، وأشارت إلى أن الغذاء الخالي من الكربوهيدرات يفتقر ليس فقط إلى حمض الفوليك، ولكن إلى كثير من العناصر الأخرى الضرورية لتكوين الجنين.