قبلة العائلات على مدار العام.. محمية الشفة سحر الطبيعة وإبداع الإنسان

قبلة العائلات على مدار العام.. محمية الشفة سحر الطبيعة وإبداع الإنسان

تعد شلالات الشفة وأودية الحمدانية الواقعة على الطريق الوطني رقم 1 على بعد 20 كلم من ولاية المدية، أحد أجمل الأقطاب السياحية في الجزائر، حيث تستقبل أسبوعيا الآلاف ومن كل مناطق التراب الوطني وخارجه، وتعد الشفة مكانا لمحبي اكتشاف أسرار وخبايا الطبيعة الخلابة، ولقضاء أوقات ممتعة.

أصبحت العديد من العائلات التي تبحث عن الراحة والهروب من صخب العاصمة تلجأ إلى جبال الشفة، والتي تتواجد بها العديد من المرافق التي توفر للزوار الهدوء والسكينة، وتستقطب محمية الشفة طيلة أيام السنة الزوار من مختلف الولايات، خاصة أنها تقع على مستوى الطريق الوطني رقم 1، فإذا كانت الثلوج والأمطار والبرد القارس تصنع متعة السياحة الشتوية، فإن أشعة الشمس والأشجار والأزهار وما يتواجد من الحيوانات البرية خاصة قرد الشفة الشهير الذي يصنع الفرجة والمتعة في فصل الربيع، وظلال الأشجار، والنسيم العليل، ورائحة الغابة المنعشة تصنع تفاصيل رحلة الصيف السياحية.

تأخذ القردة البرية جل اهتمام زائري الشفة خاصة الأطفال منهم، إذ يستمتع هؤلاء بشكلها وحركاتها وكذا أصواتها التي تحدث صدى في غابات الشفة، مما يخلق لوحة طبيعية فنية وسيمفونية جميلة تمتزج فيها أصوات قردة “الماغو” وزقزقة العصافير وهدير الشلالات، وهو ما يخلف جوا لطيفا وسط هذه الغابات التي تستقطب كما هائلا من الزوار، لاسيما العائلات العاصمية التي تأتي رفقة أطفالها لتكتشف سحر هذه الفسيفساء الطبيعية، وتستمتع برؤية القردة التي تتجاوب مع الأطفال وهم يطعمونها حبات الموز والفستق، في الوقت الذي يغتنم فيه الأولياء الفرصة لالتقاط صور تذكارية لأبنائهم.

 

زحمة المرور لا تعرقل المسار

رغم زحمة المرور في الطريق المؤدي من مقر ولاية البليدة نحو منطقة الشفة وما له من تأثير على نفسية السائح، إلا أن كل ذلك يتلاشى عندما تبدأ العين تشاهد من بعيد جبال وأشجار هذه الأخيرة التي أبدع الخالق في زخرفتها، ومنحها سحرا يبهر المتردد عليها، فعلى بعد 50 كيلومترا عن الجزائر العاصمة، وبالتحديد على مستوى الطريق الوطني رقم 1 الرابط بين ولايتي الجزائر والبليدة تقع شفة هذه المحمية الطبيعية الخلابة التي ذاع صيتها في أرجاء الوطن ويقصدها يوميا مئات الزوار خاصة خلال عطل نهاية الأسبوع والعطل السنوية، قبل أن تصر الوفود الأجنبية التي تزور الجزائر على الذهاب إليها للتمتع بمناظرها الخلابة، فالمنطقة سياحية طيلة أيام السنة، فإذا كانت الثلوج والأمطار والبرد تصنع متعة السياحة الشتوية، ففي فصل الربيع تصنع زقزقة العصافير الاستثناء مع أشعة الشمس المنبعثة كالخيوط التي تضيء كل الممرات، وفي فصل الصيف يقصدها الجميع بحثا عن الهواء المنعش والبرودة التي يوفرها البساط الأخضر الذي يلفها من كل جانب.

 

قرد الماغو يصنع الفرجة بالمنطقة

لا يمكن أن تذكر شفة دون أن يذهب تفكيرك إلى القردة التي تصنع الحدث، اقتربنا منها مثلما كان يفعل الأطفال القادمون من مختلف مدن البليدة والعاصمة وحتى من ولايتي تيبازة وبومرداس، أين كان الجميع يحملون علب “القوفريت” لإطعام القردة، وكان هذا السلوك هو السبيل الوحيد لجعلها تصعد من أسفل الوادي، وأنت تتأمل هذه الأخيرة يعود بك ذهنك إلى دروس نظرية التطور عند داروين عندما قال يوما إن أصل الإنسان قرد وأصبح على ما هو عليه بعد تطور حدث عبر مراحل، فتناغم القردة مع الزائرين يوحي أن هناك كيمياء تجذب الطرفين، كما أن القردة تقوم بسلوك مشابه لتصرفات الإنسان اليومية، لكن كان يبدو على عدد منها أنها مُصابة ببعض الأمراض الجلدية، ونقص التكفل بها قد يؤدي الى انقراضها، وهي النقطة التي كان يتحدث عنها الزائرون إلى المنطقة بكثرة، لأن القردة أو “الشوادة” كما يحلو للكثير مناداتها بهذه الصفة ارتبط اسمها لعقود بالشفة، وما لاحظناه أن الزائرين يحبذون شكلها وحركاتها وكذا أصواتها التي تحدث صدى في غابات الشفة، مما يخلق أصواتا جميلة تمتزج أحيانا مع أصوات العصافير التي تقصد المنطقة قادمة من كل مكان، ليترك الجميع العنان لأجهزة التصوير في التقاط صور تذكارية لأبنائهم.

 

رائحة الشواء تعبق المكان ومياه معدنية تروي عطش الظمآن

من يصل إلى المنطقة لا يمكنه مقاومة رائحة الشواء التي تنبعث على بعد كيلومترات طويلة، فتسيل لعاب المارين بها فيستسلمون في الأخير بالجلوس على الطاولات واختيار ما لذ وطاب، وما يلفت انتباه المارة كثرة السيارات المتوافدة على هذه المحلات التي عرفت شهرة كبيرة وبمختلف ترقيم الولايات.

ويتميز شواء محلات الشفة بنوعية اللحم، حيث تجد الشوائين يتنافسون على طهي أجود أنواع لحم الخروف بغية استقطاب المزيد من الزبائن، والملفت للانتباه السرعة الفائقة التي يتم بها إعداد الشواء من طرف العاملين في هذا المجال، إذ تجد وأنت تقصد المطعم جميع أنواع اللحوم وما عليك إلا الاختيار ما بين اللحم أو الكبدة أو الدجاج، وفور تقديم طلبك للنادل يتم تحضيره في أسرع وقت ممكن. وعند استفسارنا عن هذه السرعة، أكد لنا العاملون بها أن هناك منافسة قوية بين المحلات فرضت هذا الريتم، إلى جانب محاولة إرضاء الزبائن بأي طريقة كانت حتى لا يغيروا الوجهة إلى محل آخر.

في الوجهة الأخرى تزخر الشفة بشلالات طبيعية بفوائد صحية كثيرة بمياهها المعدنية التي يقصدها الجميع للتداوي بها، حيث تساعد على تفتيت حصى الكلى والقضاء على التهاب المعدة..

 

الفخار، النحاس و… موروث تقليدي احتضنته الشفة

انتعشت تجارة الصناعات التقليدية بالمنطقة خلال السنوات الأخيرة بعد أن عاشت ركودا خلال العشرية السوداء، دخلنا أحد المحلات كان صاحبه يبيع الأواني الفخارية متعددة الأشكال والأحجام، اقتربنا من أحد الباعة وسألناه عن سرّ الإقبال الكبير للمواطنين على هذه الأواني، أكد لنا أن هذه الصناعة استعادت شعبيتها في السنوات الأخيرة وصارت الأواني الفخارية تنافس الأواني المستوردة رغم ارتفاع أسعارها أحيانا، وأصبح الناس يقبلون على اقتنائها أكثر من أي وقت مضى، وعن الأسعار قال إنها تختلف من قطعة لأخرى منها المخصصة للزينة وأخرى للطهي.

وتنوعت الأواني الفخارية المعروضة بين المزهرية، الجرة، بوقال الماء، وأواني الطعام، الأباريق، الخزان…. وتبقى هذه الصناعة مزدهرة على الدوام لارتباطها الوثيق بالمطبخ الجزائري.

وبمحاذاة المحل كان محل آخر يعرض صناعة النحاس وتبين أن صاحبه حرفي قديم أكد لنا أن المحل يحتوي على أواني نحاسية، مؤكدا أن العائلات التي تقصد المحل تبحث عن سينيات كبيرة تسمى بالسنيوات وبالنقش المستوحى من الأندلس أو من الدولة العثمانية، سواء كان نحاسا أصفرا أو أحمرا وأخذ أشكالا متنوعة، أما الحلي فقد صنعت الحدث بإقبال النسوة عليها، حيث اتخذت أشكالا من زخارف وردية ونجمية ومثلثات ومعينات، ورغم سعرها المرتفع نوعا ما، إلا أن المترددين على أكثر من محل بالمنطقة كانوا يؤكدون على شغف الزوار بمثل هذه الحرف.

 

الإهمال قلل من قيمة متحف طبيعي على الهواء الطلق

رغم الثروات التي تزخر بها منطقة الشفة، إلا أن الزائر يلمس حقيقة الإهمال بهذه المنطقة المميزة، ولعل الذي يشد الأنظار هو الطابور الذي تشكله سيارات يركنها الشباب بمحاذاة الوادي بعد أن تمتلئ الحظيرة التي لا تتسع لعدد كبير من السيارات، كما أن بعض السلوكات من الزائرين أنفسهم وفي ظل غياب المراقبة والعقوبة من السلطات ساهمت في تلوث المياه الصافية بمستحضرات التنظيف والمخلفات التي تتركها العائلات، كما سجلنا غيابا واضحا للمرافق أبسطها المراحيض وفضاءات الجلوس كما تتراكم في بعض الأماكن القمامة، كما أن نقص المراقبة أدى ببعض الزائرين إلى غسل مركباتهم بها في سلوك لا يمت بصلة لمعلم سياحي مثل الشفة، وهو ما يدفع الكثير من السواح الأجانب أو أبناء الوطن إلى النفور من المنطقة بسبب هذه التصرفات، كما يقدم البعض على تحويل المكان إلى فضاء لتصرفات لاأخلاقية كالعمل على تشغيل المذياع وبأغاني نوعا ما ماجنة دون تدخل السلطات.

 

الشفة في سطور

الشفة هي إحدى بلديات ولاية البليدة، يبلغ عدد سكانها حوالي 35000 نسمة، من أهم مميزاتها المنحدرات والينابيع المائية وبنوع خاص من القردة وهو قرد الماغو، تشتهر بلدية شفة التابعة إداريا لدائرة موزاية بولاية البليدة بينابيعها المائية الساحرة خصوصا وادي شفة، وهو ما جعلها قبلة للعائلات الجزائرية من محبي الطبيعة الجذابة وحتى السواح الأجانب الذين وجدوا ملاذهم في هذه القلعة السياحية الخلابة، الشفة.

نشأت بلدية شفة بمرسوم حكومي سنة 1870 وكانت تسمى قديما بـ “فيلاج الخروب” وكانت مدمجة مع بلدية موزاية بين 1847 و1969، وسبق أن كانت هذه البلدية مقر مقاومة الأمير عبد القادر لمداواة الجرحى بالمياه العذبة المتواجدة بالوادي، فأطلق عليها آنذاك اسم مدينة الشفاء ومع مرور الزمن أصبحت تسمى بلدية شفة، وهناك من يقول إن هذه التسمية “شفة” نسبة إلى الوادي الذي يعبر البلدية، حافتاه تشبهان الشفتين فسميت ببلدية شفة.

بعض الصور الملتقطة من المنطقة: