الجزائر- قال الأديب والناقد عمر أزراج: “ما أكثر المناقشات السجالية حول الهوية في الحياة الفكرية والثقافية في مشهد الفكر العربي المعاصر، ويلاحظ أن التنظير المتداول يميل إلى الإقرار بأن الهوية ظاهرة معطاة قبليا وقائمة هناك ومتطابقة مع نفسها، وأنها هي التي تحرك التاريخ وتصنعه”.
وأضاف أزراج قائلا: “إن هذا الفهم يفرض على الهوية أن تكون قارة وثابتة وجاهزة وواعية، وبالمقابل فإننا نجد الإستخدام السائد لمفهومي الإختلاف والغيرية يطرحان بدورهما مشكلات لا تقل عن تلك التي تطرحها المناقشات حول الهوية، فالإختلاف ينظر إليه في الكثير من النصوص النقدية العربية على أنه التمايز الأبدي بين كيانات ثابتة سواء كانت هذه الكيانات ثقافات أو أعراقا أو حضارات”.
وأفاد ذات الناقد “أن هذا الفهم القاصر يحشر الهوية في صندوق مغلق ويختم عليه على أساس أنه غير قابل للتحول والتغيير والإضافات، ولذلك أرى أننا في حاجة ماسة إلى أن نفكر في “كيف” تبنى الهوية باعتبارها مفتوحة دائما للتناص والتهجين وباعتبار التاريخ غير موجود إلا على أساس أننا نؤوله”، مردفا “صحيح أن التاريخ يلعب دورا في التأسيس للهوية، ولكن هذا التاريخ ليس واحدا بل هو متعدد ويتميز بالتحول المستمر، وفضلا عن ذلك فإن التاريخ ليس معطى قبليا بل هو ظاهرة تصنع دائما، ويمكن لنا القول أيضا إنه لا توجد هوية قارة وثابتة لقصيدة شعرية ما لأن هوية القصيدة تتغير جراء تعدد هويات قرائها ويقال نفس الشيء بخصوص هوية النص الروائي والقصصي والمسرحي وهلم جرا…”.
واعتبر أزراج “أن النقد العربي التقليدي قد اعتاد على اعتبار الطبقة الإجتماعية الواحدة أساسا موحدا للهويات، ولكن هذا الفهم قد تعرض بدوره للمساءلة والتقويض والدحض على أساس أن السردية التي يرويها عامل من العالم الثالث عن هويته الإجتماعية تختلف كثيرا عن تلك السردية التي يرويها العامل الأوروبي أو العامل الأميركي الأبيض أو الأسود في مجتمع رأسمالي متطور، وعلى ضوء هذا يجد المرء أن السود الأمريكيين المنتمين إلى الطبقة البرجوازية أو الرأسمالية تختلف هوياتهم عن هويات العمال السود المسحوقين في أمريكا رغم اشتراكهم في العرق واللون وفي ذاكرة تاريخ الرق والاستعباد القديم”.
وانتهى الناقد عمر أزراج إلى القول “إننا ندرك من هنا، أن عنصري اللون والعرق ليسا بدورهما أساسا مطلقا ونهائيا لوحدة الهوية، وهكذا نستطيع أن نضرب مثالا آخرا للتوضيح يتمثل في أن النقد النسوي الراديكالي يرفض الزعم القائل بأن النساء يشكلن وحدة متجانسة بدعوى اشتراكهن في الإنتماء الجنسي البيولوجي لأن المرأة الأمية لا تشترك مع المرأة الجامعية في النفسية، وفي المصير الإجتماعي. كما أن النساء المنتميات إلى الأسر الفلاحية تختلف هوياتهن الإقتصادية والثقافية عن هويات النساء المنتميات إلى أسر المقاولين، والوزراء، وكبار الموظفين في مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص”.