إن الله تعالى يبتلى الإنسان ليختبره ويمتحنه، حتى يكون جزاؤه على قدر أدائه فيما ألقى عليه، وأنيط به من اختبارات وابتلاءات، ما دام يعيش على ظهر الأرض، التي خلقها الله لتكون دارًا لاختبار الإنسان؛ لأنه المخلوق الذي قبل الأمانة وتحمل تبعاتها، في الوقت الذي أبت جميع المخلوقات أن يحملوها، فتصدر لها الإنسان، قال الله تعالى ” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ” الأحزاب: 72. لذلك رغَّب سبحانه وتعالى في الصبر أيما ترغيب، وذلك بأن جعل المتسمين به ينالون محبة الله ورضوانه، قال تعالى ” وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ” ال عمران: 146.
وتأمَّل الآيات القرآنية التي تخبر عن جزاء الصابرين، فسوف تجد أن الله تعالى أعطى على الصبر ما لم يعطه لغيره، قال تعالى ” قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفي الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ” الزمر: 10، وقال تعالى ” مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” النحل: 96. كما أنه جمع للصابرين أمور لم يجمعها لغيرهم، فقال تعالى ” أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” البقرة: 157. فالصبر هو السلاح الفعال الذى أعطاه الله لعباده المؤمنين، ليستعينوا به ضد المصائب والمكايد والهموم، وما يعصف بهم من رياح الدنيا، وقد جربه من كان قبلنا.
وانظر في سير الأنبياء والمرسلين، فهذا نوح عليه السلام ظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا ومع ذلك لم يؤمن له إلا القليل، فصبر واستمر في دعوته حتى أهلكهم الله، وهذا إبراهيم عليه السلام يُحرم الذرية مع كبر سنه ويجمع له الحطب ويلقى في النار ويترك ولده بعد ما رزقه الله إياه على كبر ونجا من الذبح في واد غير ذي زرع، ومع ذلك صبر فجزاه الله خيرًا، وهذا يعقوب عليه السلام يعلم أن أبنائه كادوا لأخيهم ومكروا به ومع ذلك يقول فصبر جميل، وأيوب عليه السلام الذي ابتلاه الله بأشد أنواع البلاء وأخذ منه ما أصاب من الدنيا، فصبر حتى عوضه الله خيرًا، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يتحمل الجوع والإيذاء وموت الأهل والأحباب والتغريب عن الوطن والطعن في العرض وهو مع ذلك ظل صابرًا محتسبًا، حتى أعزه الله ونصره وجعل كلمته العليا.