الجزائر مرتبطة ببعدها المغاربي وبخاصة مع الشقيقة ليبيا…فعقب إطلاق سراح أحمد بن بله ورفاقه الأربعة من السجون الفرنسية، قام هؤلاء الزعماء بزيارة إلى ليبيا، واستقبلهم الملك إدريس السنوسي وحثهم على التضامن ونكران الذات
بذلت ليبيا في عهد الملك محمد إدريس السنوسي (1890 – 1983م) جهودًا كبيرًة في مساندة ونصرة الشعب الجزائري في ثورته ضد المستعمِر الفرنسي، انطلاقًا من قناعة الملك إدريس بأن الوقوف إلى جانب كفاح الشعب الجزائري هو واجب وطني وديني بآن معًا. لم يكن هذا الموقف ليس جديدًا، فقد بدا دور ليبيا منذ زمن الزعيم المؤسس محمد بن علي السنوسي (ت: 1859م) من خلال تصديه للاحتلال الفرنسي ودعمه للمجاهدين الجزائريين. ولم تنقطع هذه الصلة بين البلدين الشقيقين وازدادت قوةً مع اندلاع الثورة الكبرى في الجزائر عام 1954م، ووقف الملك والشعب بكل ما يملكون لتحقيق الانتصار العظيم على المستعمرين وأزلامهم هناك.
1- اهتمام الملك إدريس بثورة الشعب الجزائري
ركز الملك إدريس جهوده المادية والمعنوية لدعم ثورة الجزائر منذ اندلاعها في 1 نوفمبر 1954 ضد المستعمر الفرنسي. وقد أثبتت الوثائق التاريخية جهوده العظيمة وأعماله الجسيمة في هذا الجانب، حيث ذكر مصطفى بن حليم في كتابه “صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي”، ما يقيم الحجة والبرهان على صدق الملك إدريس لدعمه للثورة الجزائرية.
حيث عُرض الأمر على الملك رحمه الله فقال: من ناحية لا يمكننا أن نتردد في القيام به.. ومن ناحية أخرى فإنني لا أريد أن أعرض استقلال هذا الوطن …
2- ليبيا قاعدة خلفية ولوجستية لثورة الشعب الجزائري
عقب إطلاق سراح أحمد بن بله ورفاقه الأربعة من السجون الفرنسية، قام هؤلاء الزعماء بزيارة إلى ليبيا، واستقبلهم الملك إدريس السنوسي وحثهم على التضامن ونكران الذات
أصبحت ليبيا قاعدة خلفية ولوجستية للثورة الجزائرية، حيث كانت بها مستودعات الأسلحة، ومراكز التدريب، وشبكات التسليح، كما وفرت إقامة خاصة لقادة جبهة التحرير وأمّنت تنقلاتهم، وأصبحوا يتصرفون بكل حرية دون مراقبة أو إزعاج. وللإشارة فإن شبكات التسليح بليبيا لم تتلق أية ضغوطات ولم يجمد أي نشاط للثورة بها عكس ما كان يحدث في بعض البلدان الأخرى ـ وبذلك احتلت ليبيا مكانة رائدة في مجال دعم الأسلحة لصالح الجزائر.
وقد أشار رئيس الجزائر أحمد بن بله الذي أجرى آنذاك اتصالات بالحكومة الليبية والفعاليات الشعبية: إن حركة التحرير الجزائرية قد اتصلت بالحكومة الليبية منذ وقت مبكر، وإن التعاون مع الحكومة الليبية كان قائماً، والمساعدات كانت حقيقة، ولكنها تعطى لنا في سرية مطلقة، ومن الطرق التي استخدمت لتهريب السلاح تونس حيث يتم تهريب السلاح عبرها.
وتجدر الإشارة أن استعمال الأراضي الليبية لنقل الأسلحة من المشرق كان يتم تحت رقابة الحكومة الليبية، وبتغطية منها. وذلك بأمر من الملك إدريس السنوسي نفسه. إن نجاح عمليات التهريب الأولى دفع بالحكومة الليبية إلى إرسال برقية إلى أعضاء الجبهة بالقاهرة عن طريق سفارة تونس تدعوهم إلى إرسال ممثل عنهم إلى طرابلس، وبذلك تم تعيين السيد محمد خيضر لهذه المهمة.
3- مطارات ليبيا في خدمة شعب الجزائر وثوارها
بعد اجتماع 27 أفريل 1956م رأت لجنة السلاح الجزائري بالقاهرة أنه من الضروري السعي لدى رئيس الوزراء الليبي بن حليم لكي يضع تحت تصرف اللجنة الفرعية للأسلحة بليبيا مطاراً أو مطارين على الحدود الجزائرية الليبية جنوباً بقصد إيصال الأسلحة بصفة فورية، ومباغتة للفرنسيين. وقد قررت الحكومة الليبية بعد لقاء مع قادة الجبهة ما يلي:
– تضع الحكومة الليبية مطاري بلدة نالوت جنوب فزان تحت تصرف القيادة الجزائرية بعد إصلاحهما من طرف الحكومة المصرية.
– ضرورة دخول السلاح من مصر إلى ليبيا بواسطة الطائرات وبعلم رئيس الحكومة الليبي بغرض تأمين العملية.
– العمل على شراء السلاح بليبيا وتوفير كل الشروط الضرورية لإنجاح العملية.
جميع الساسة زمن المملكة الليبية يشهدون أن الملك كان مسانداً لحركة الثورة وحريصاً على نجاحها، ولم يقصر معها لا مادياً ولا معنوياً .
4- دعم السفارة الليبية في فرنسا لكفاح الجزائريين
كان الملك إدريس رضي الله عنه بعيد النظر، فبعد أن استقال السيد مصطفى بن حليم من الحكومة في آخر مايو 1957م عينه سفيراً لليبيا في باريس، لأن علاقته ممتازة مع رجال الثورة الجزائرية، ولأن الحكومة الفرنسية قد وصلت لقناعة بأن قضية الجزائر لا تُحل عسكرياً وإنما بالمفاوضة مع سكان الجزائر.
وقد كانت مهمة سفير ليبيا في فرنسا البحث مع الحكومة الفرنسية عن سبل سلمية لإعطاء شعب الجزائر حق تقرير مصيره، وتشجيع الحكومة الفرنسية على انتهاج سياسة التفاهم والتفاوض مع جبهة تحرير الجزائر. وبدأ بن حليم أولى خطواته بنقل طلب رسمي من الملك إدريس إلى ديغول رئيس الجمهورية، بأن يطلق سراح أحمد بن بلة ورفاقه من السجن، أو على الأقل أن يخفف وطأة السجن إلى إقامة جبرية أو شيء من هذا القبيل، وقد آتت هذه الوساطة أكلها فنقل زعماء الثورة إلى فيلا سكنية.
المملكة الليبية بحكوماتها وشعبها ساعدت ثوار الجزائر في معركتهم المقدسة ضد فرنسا، وقاموا بمد الثورة بالسلاح والذخائر والأموال والمساعدات
عقب إطلاق سراح أحمد بن بله ورفاقه الأربعة من السجون الفرنسية، قام هؤلاء الزعماء بزيارة إلى ليبيا، واستقبلهم الملك إدريس السنوسي وحثهم على التضامن ونكران الذات، وذكّرهم بالحديث الشريف الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
5- مؤتمرات مصيرية لقادة الثورة الجزائرية في ليبيا
تواصل الدعم الليبي للقضية الجزائرية وثورة أول نوفمبر، حيث شهدت الأراضي الليبية عدة اجتماعات ومؤتمرات مصيرية بالنسبة للشعب الجزائري وثورته المباركة. من أهمها:
6- الدعم الشعبي الليبي لثورة شعب الجزائر
نظرًا للأواصر الدينية والقومية والتاريخية بين الشعبين الجزائري والليبي ابتهج الليبيون لانفجار الثورة التحريرية في مختلف أرجاء التراب الجزائري، وأخذت القطاعات الشعبية تفكر جدياً في إيجاد الطريقة التي يمكن بها دعم ثورة الجزائر ومناصرتها في المجالين المعنوي والمادي، وكانت الفكرة التي لمعت في الأفكار وواجهها الجميع بالرضى والتأييد، هي تأسيس لجنة من الأعيان، الذين اجتمعوا وقرروا تشكيل لجنة لمناصرة الشعب الجزائري، فراسلوا في هذا الشأن الجهات الرسمية في الدولة لطلب الإذن بالشروع في العمل، وارتاح الشعب الليبي إلى هذه اللجنة، وتوالت تبرعاته من مختلف أنحاء المملكة الليبية، بشكل يدعو إلى الفخر والاعتزاز.