من بين الفئات التي تضررت من جائحة كورونا، الفنانون والمبدعون من مجالات فنية وثقافية عدة، حيث تم تجميد مختلف النشاطات الفنية والثقافية لأجل غير مسمى خاصة وأن الإعانة المالية التي أعلنت عنها وزارة الثقافة لمساعدة الفنانين لم يستفد منها الجميع.
وعن وضعية الفنانين والمبدعين في مجالات الثقافة في زمن كورونا، تحدثنا إلى بعضهم وكانت آراؤهم كالتالي…
عبد الرؤوف زوغبي
صاحب الإبداع والريشة الجميلة والذوق الرفيع يعاني في صمت

بمناسبة اليوم العالمي للفنان من جهتي كمبدع وناشط في الساحة الثقافية أوجه أسمى عبارات التبريكات لمن يحمل في دواخله ذرة من الإبداع، يحاول بها التعبير عما تتميز به روحه المبدعة بمختلف توجهاتها إلى أرقى صورة جميلة رسمها وأحيا بها صورة الفنان في الجزائر.
كما نشكر “الموعد اليومي” أيضا على وقوفها الدائم بجانبنا مؤازرة لحالة المبدع والفنان بكل أطيافه وأشكاله، فصاحب الإبداع والريشة الجميلة والذوق الرفيع يعاني في صمت في ظل ما تمر به البلد هذه السنة بصورة استثنائية بسبب الوباء، فقد تم شل جميع الأنشطة من ربيع مارس المنصرم، وهذا ما جعل معظم الفنانين يتوجهون صوب المنصات الافتراضية قصد التعريف بأعمالهم وتنظيم ورشات تدريبية حتى يتجنبوا الركود الإبداعي…
الوباء العالمي كشف المعاناة الحقيقية للفنان والتي طالته منذ عقود خلت، فلم يصل به الحال إلى هنا فحسب، بل جعلته يحول مهنته بعدما كانت رزقه الوحيد، ويلجأ مرغما إلى أنشطة أخرى يسد بها رمق عياله.
فلم يكن لبعض “البقشيش” الذي رمت به “لوندا” أو الوزارة الوصية كافيا ولم يغطِ كل المنتمين للقطاع الثقافي.الإبداع لا يتوقف عند هبة ممنوحة من الدولة فحسب، بل لابد من هبة تضامنية للشعب بأسره تجاه الفنانين بشكل خاص وبالفئات المتضررة من الوباء بشكل عام،فالمهرج الذي كان يحاول جاهدا رسم البسمة في كل المناسبات، فمن يرسم له الآن بسمته؟
الكاتبة والروائية أسماء سنجاسني
هل نحن مدركون لعمق الدرس، وهل استيقظنا؟
الفنان والمثقف هما شخصان يجمعهما الإبداع، المبدع هو الذي وهبه الله ميزة مختلفة تسمى بالموهبة، عمل واجتهد على تطويرها مدة طويلة ليلامس بإرادته نجاحات معيّنة، ليجد نفسه في النهاية محاصرا بواقع مرير يمكن أن نعبر عنه بكلمة واحدة “التهميش”، ولا غرابة في أن يزداد الوضع سوءاً بعد أن اجتاح وباء كورونا العالم متسببا في إيقاف الحياة الفنية والثقافية.
حفلات موسيقية بالجملة ألغيت، مهرجانات عالمية توقفت برامجها، مسرحيات أسدلت ستائرها إلى أجلٍ غير مسمى، كتب توقفت طباعتها ودور نشر أغلقت أبوابها، ممّا اضطر الدول والحكومات عبر العالم إلى إغلاق مؤسسات الثقافة والفن وأوصدت أبوابها لتدخل في شبه ركود تام، ودخول الحياة الثقافية بكل شُعبها إلى الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا، لكن ما لا يعرفه العالم وما يجب أن نقف عنده طويلا هو أن المبدع الجزائري فنانا كان أو مثقفا داخل الحجر منذ ولادته الفنية، لا تظاهرات تحتويه، لا لقاءات صحفية تقدّر قيمته، ولا منابر توصل صوته إلى الجمهور، لذلك تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي السبيل الوحيد لممارسة النشاط الثقافي والفني، والمناسبات التاريخية والدينية والوطنية المنبر الوحيد لإيصال صوته، رغم ذلك الفنان أو المثقف لم ييأس من الواقع والظروف المحيطة وإنّما ما زال ولايزال يحاول جاهدا متشبّثا بإرادته ورغبته في الوصول مؤمنا بفنه في أن يخلق لنفسه فرصا تمكّنه من أن يثبت وجوده، يقدم فنه، يوصل رسائله، ويصنع مكانة تليق به، وفي أثناء كفاحه هذا، اجتاحت كورونا العالم لتطفئه كما أطفأت الطاقات البشرية قبل أي إنذار مسبق، ليفقد الفرد بصفة عامة والمجتمع مسوغات الحياة، فيصبح الإجراء الوحيد بحثا عن الحل هو الانعزال، انعزال أفقد الحياة معناها، والدنيا قيمتها، والعلاقات قداستها، لتزداد وضعية الفنان والمثقف سوءا لتصبح معاناته مادية ومعنوية في ظل غياب أي مبادرة رسمية من المسؤولين الوصيين على القطاع، دفعت بعدد من الفنانين إلى إطلاق مبادرة بهدف مساعدة الفنانين المقتدرين لزملائهم المتضررين من حالة الطوارئ الصحية كما شاهدنا في الأيام القليلة الماضية.
ويجدر الذكر أيضا أني الآن لا أحاول أن أوجه اللوم لجهة معينة، ولست أعاتب سلطة ما، وإنما أحاول نقل الواقع كما هو بأضراره الجسيمة وكل نواقصه، أحاول أن أنظر إلى المشكلة بعمق حتى نقدّر حجم المأساة التي يعيشها الفنان والمثقف في الجزائر على أمل أن نتحرك في المستقبل القريب نحو حلول تعيد للساحة الفنية والأدبية والتي تنعكس بشكل مباشر على الحالة الاقتصادية في البلد هيبتها وقيمتها الحقيقية، ولابد أن نستفيد من الدرس الذي يعيشه العالم بأسره الآن، وأن نعتبر كورونا قضية تحذير على شكل وباء، صفعة في شكل مرض، ويبقى السؤال: هل نحن مدركون لعمق الدرس الذي جاءنا موقظا، وهل استيقظنا؟إن ساعة الخطر على هيئة استفاقة لا تدق في العمر إلا مرة واحدة، لتخلّصنا من لحظات التيه والحيرة، وتعيدنا إلى ذواتنا وربنا، والهدف… ألا نعطي للحياة فيما تبقى لنا عليها من عمر أكثر من حجمها.
الدكتور بريك الله حبيب
علينا أن نراعي حقوق الفنان ونشجع الكفاءات الوطنية

بالنسبة للظروف الحالية التي يعيشها العالم جراء فيروس كورونا المستجد، وخاصة على الساحة الفنية، فإننا نلمس ذلك الفتور الثقافي على مستوى جهود الأفراد والمؤسسات الذي يعود إلى واقع وصعوبة الظروف التي يعيشها الفنان الجزائري، وخاصة الفنان الذي غالبا ما يعتمد في تسيير شؤونه الاجتماعية على مدى تفاعله ثقافيا مع نشاطاته وإنتاجه الفني، مما سيساهم قطعا في تدهور وتراجع الحركية الثقافية على مستوى الفعل الثقافي ومردوديته.ولا ننكر جهود الدولة في ظل هذه الجائحة التي ربما أرادت أن تساهم بشكل أو بآخر في زحزحة هذه الظروف القاسية التي يمر بها الفنان الجزائري في هذا الوقت الصعب، والتي ربما وبكل موضوعية لا ترتقي إلى المستوى المطلوب الذي يرجى منها والذي يحفظ كرامة الفنان ويكفل له العيش في مستوى اجتماعي يليق بمكانته ومنزلته.وقد بادرت وزارة الثقافة مؤخرا إلى محاولة رفع الغبن ولو بشكل رمزي عن الفنان الجزائري الذي توقف عن أداء مهامه الفنية بسبب جائحة كورونا، وحاولت إحصاء كل الفنانين بشروط معينة، وقدرت الإعانة المالية بـ 54 ألف دينار جزائري لكل فنان في فترة الحجر المنزلي، وهذه المبادرة تحسب لقطاع الثقافة في استدراك ما يمكن استدراكه مستقبلا على الرغم من المجهودات الجبارة التي يقدمها الفنان الجزائري على جميع المستويات والتخصصات.ويجب علينا جميعا أن نراعي حقوق الفنان الجزائري ونسعى لتشجيع الكفاءات الوطنية والنخبة الثقافية والاقتصادية، ونكفل له العيش في مستوى اجتماعي مرموق على حسب نوع الفن الذي ينتجه.
الأديبة والإعلامية سليمة مليزي
جائحة كورونا دفعت بالساحة الثقافية إلى الركود

يعد الفعل الثقافي والفني رافدا من روافد المجتمع، وغذاء للروح والفكر ومكتسبا يرفع الأمم إلى درجات عالية من المكتسبات الحضارية التي تطور المجتمع، لذلك أرى أن ما حدث من الركود الذي شهدته الساحة الفنية والثقافية خلال أكثر من شهرين من التوقف عن النشاط، بسبب جائحة وباء كورونا، سبب بعض العوائق التي تركت الساحة الثقافية تشهد فراغا كبيرا، وهذا طبعا ينطبق على كل دول العالم، وكل ما يتعلق بعصب عجلة الحياة والتنمية، لكن هناك شبكة التواصل الاجتماعي، المتنفس الوحيد الذي ترك الأديب والفنان يتواصل من خلاله ويخلق جوا للترفيه والتثقيف عن طريق النشاطات الافتراضية التي نظمتها بعض دور الثقافة والجمعيات والمؤسسات الإعلامية، وشكلت جسرا كبيرا بين الأدباء والمثقفين العرب، خاصة بالنسبة لبعض الدول الشقيقة، فعلى سبيل المثال الدورات التدريبية حول الإعلام التي نظمها اتحاد الصحفيين الجزائريين مع مؤسسة عرار للإعلام والثقافة من الأردن الشقيق، وأتت بنتائج جد رائعة، حيث تخرّج من خلال دورة الإعلام صحفيون، لكن في رأيي النشاطات الافتراضية التي نظمت كانت جد محدودة وتقريبا منفردة مقارنة بما قدمه الأشقاء العرب، خاصة بيت الشعر التونسي الذي نظم مهرجان الشعر الافتراضي العربي، طيلة شهر رمضان، وأيضا مؤسسات عرار التي نشطت مهرجان الشعر العربي الذي نجح ولقي رواجا كبيرا، إلى جانب نشاطات أخرى في الفن والموسيقى من خلال إعطاء دروس عبر شبكة التواصل الاجتماعي، من طرف أساتذة مختصين في الموسيقى من بينهم الأستاذ سليم دادة، وهذه مبادرة رائعة تزرع الفرحة في صفوف الطلبة وتقتل روتين الحجر المملّ .أما فيما يخص الأدباء والشعراء، فكانت صفحات التواصل الاجتماعي والمطالعة لبعض الكتب، ملاذا للهروب من الحجر والروتين القاتل، فهذه الجائحة كانت بالنسبة لي فضاء كبيرا خلق لنا الكثير من التساؤل وكتبت عدة مقالات عن وباء كورونا، وأول مقال عبارة عن “رسالة إلى التنين الأحمر” القادم من الصين، حاورته فيها عن هذا الاختراق الرهيب للعالم ولجسد الإنسان الضعيف، بطريقة حزينة ومثيرة للدهشة، كما كتبت “يوميات مع الحجر”، هذه اليوميات التي لاقت اهتماما كبيرا من طرف القراء والنقاد والباحثين، وعن غضب الأرض على الانسان، حيث نرى الجانب الإيجابي من هذا الوباء وهو عودة الأرض إلى طبيعتها بسبب التوقف عن انتشار النفايات وتلوث الجو والبحار بسبب جشع الانسان والدول المصنعة التي فتكت بطبقة الأوزون.. وكتبت أيضا عن أدباء وفنانين رسخوا الأوبئة عبر العصور في رواياتهم، وفنانون رسموا لوحات فنية في خمسينيات القرن الماضي، تنبأوا من خلالها بانتشار وباء كورونا في الأرض، انعزال الإنسان، خلاء الشوارع من ظواهر الحياة والحذر مطلوب على كل مواطن، لتفادي انتشار هذا الوباء والقضاء عليه نهائيا.
كلمتهم: حورية/ ق