من فضل الله تعالى ونعمته علينا أن جعل رحمتَه سبقتْ غضبَه، بل وسعت رحمتُه كلَّ شيء، وعمَّ بها كلَّ حيٍّ؛ قال تعالى ” وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ” الأعراف: 156، وجعل فيما جعل لعباده المذنبين بابًا عظيمًا من أبواب رحمته، بل فتح لهم بابَ الرجاء فيما عنده؛ ولذا كان حريًّا بنا أن نجولَ حول أرجى آية في كتاب الله تبارك وتعالى عسى أن تصيبَنا نفحةٌ من نفحات رحمته، لا نشقى بعدها أبدًا، حتى يدخلنا بفضله ورحمته دارَ كرامته، ومَنزِلَ رحمته؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: أرجى آيةٍ في كتاب الله تعالى ” وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ” الرعد: 6. قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ” إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ” طه: 48: هذه أَرْجى آية للموحِّدين؛ لأنهم لم يكذِّبوا ولم يتولَّوا.
قال عبد الله بنُ المبارك في قوله تعالى ” وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ” إلى قوله: ” أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ” النور: 22، قال: “هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى. وفي قوله تعالى ” وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ” الأحزاب: 47. قال ابن عطية: قال لنا أَبي رضي الله عنه: هذه من أرجى آية عندي في كتاب الله تعالى؛ لأن الله عز وجل قد أمر نبيَّه أن يبشر المؤمنين بأن لهم عنده فضلاً كبيرًا، وقد بيَّن تعالى الفضلَ الكبير في قوله تعالى ” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ” الشورى: 22. وقال عليُّ بن أبي طالب: ما في القرآن آية أوسع من هذه الآية ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ” الزمر: 53. قال عبد الله بن عمر: وهذه أرجى آية في القرآن؛ فردَّ عليهم ابن عباس وقال: أرجى آية في القرآن قولُ تعالى ” وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ” الرعد: 6.