بعد انتهاء القتال في بدر وانتصار المسلمين، استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أسرى المشركين الذي أسروهم في القتال والمعركة، إذ لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم فيهم نص صريح، فكان رأي أبي بكر رضي الله عنه إطلاق سراحهم وأخذ الفدية منهم ليتقوّى بها المسلمون، ولعلّ في ترك قتلهم فرصة لمراجعة أنفسهم والتفكير بالإسلام، بينما أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقتلهم لأنهم أئمة الكفر، وفي التخلّص منهم ضربة قويّة لمشركي مكة، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر رضي الله عنه واختار الفدية، وفي ذلك نزل قول الله تعالى: “مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ” إلى قوله: “فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا” الأنفال: 67: 69. وقد روى مسلم في صحيحه موقف فداء أسرى بدر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: “.. فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلتُ: لا والله، يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تُمكِّنَّا فنضرب أعناقهم، فتُمكن عليّاً من عقيلٍ فيضرب عنقه، وتمكني من فلان ـ نسيباً لعمر ـ فأضربه عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهْو ما قلتُ، فلما كان من الغد جئتُ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة ـ شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عز وجل: “مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ” إلى قوله: “فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا” الأنفال: 67: 69، فأحل الله الغنيمة لهم” رواه مسلم. قال الشوكاني: والإثخان: “كثرة القتل”.