في رحاب السيرة النبوية.. هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع الصبيان

في رحاب السيرة النبوية.. هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع الصبيان

كان النبي صلى الله عليه وسلم أكملَ الناس خُلُقًا، وقد كان يعاشِرُه الناس على قَدْر عُقُولهم، وقوة إيمانهم، ومِن ذلك معاشرته صلى الله عليه وسلم للصبيان، وتربيته لهم، فقد كان صلى الله عليه وسلم كما قال الحكم بن معاوية رضي الله عنه حينما أَخْطأ في الصلاة، وكان رجلاً كبيرًا: “بأبي هو وأمي، ما رأيتُ معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرَني، ولا ضَرَبَني، ولا شَتَمَني”؛ رواه مسلم. فإذا كان هذا هديه صلى الله عليه وسلم مع الكبير، فالصغيرُ كان له الحظُّ الأوفر مِن حُسن التوجيه، ولِين المُعامَلة، فهذا ربيبُه عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه يقول: كنتُ غلامًا في حجْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانتْ يدي تطيش في الصَّحْفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا غلام، سَمِّ الله، وكُل بيمينكَ، وكُل ممَّا يليك”، فما زالتْ تلك طعمتي بعدُ؛ رواه البخاري  ومسلم.

فأفضل الخَلْقِ لا يأنف أن يأكلَ مع الصبيان مع ابن زوجته، والشخص قد لا يَتَقَذَّر أولادَه؛ لكن قد يتقذر أولاد غيره، وحين رآه أخطأ لم يَتْرُكْه مِن غير توجِيه، ولَمْ يُعَنِّفْه أو يَطْردْه؛ بل سَارَعَ إلى توجيهه إلى أَدَب الأَكْل بِأُسْلوبٍ هادئٍ، بعيدٍ عنِ الغلظة والزَّجْر، فانْتَفَعَ بهذا التوجيه، فقال: “فما زالتْ تلك طعمتي بعدُ”، وانتفعتْ أيضًا الأمَّة بذلك التَّوجيه، فما رأيكم لو زَجَرَهُ النبي صلى الله عليه وسلم أو طَرَدَهُ، أو دعا عليه بكسر اليد، كما يفعل بعض الآباء والأمهات في مثل هذا الموقف، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُمازِح الصبيان، ويُدْخِل السرور عليهم ويُكَنِّيهم، وهم صِغار، فعن أبي التَّيَّاح، عن أَنَس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا، وكان لي أخٌ يُقالَ له أبو عمير قال أبو التَّيَّاح: أحسبه فطيمًا، وكان إذا جاء قال: “يا أبا عمير ما فعل النُّغَير”، نُغَر كان يلعب به؛ رواه البخاري. فأين بعضُ المُرَبِّينَ مِن هذا الهَدْي النبوي في التَّعامُل مع الصغار منَ الرحمة بهم، وإدخال السرور عليهم بِمِزاحٍ أو هَديَّة، أو على الأقل بكلمةٍ طيبةٍ، تفتح مغالِق سمعِهم وأبصارِهم، وتجعلهم ينتفعون بِعِلْم مربيهم وسلوكه؟.