عن عبد الله بن سلام، قال: لما قدِم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة، انجفَلَ الناس إليه، فجئتُ في النَّاس لأنظر فيه، فلمَّا استبنتُ وجهَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، عرَفتُ أنَّ وجهه ليس بوجهِ كذاب، فكان أوَّل ما تكلَّم به أن قال: “يا أيُّها النَّاس، أفشُوا السلام، وأطعِموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناسُ نيامٌ؛ تدخُلوا الجنة بسلام” أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث صحيح. ونتساءلُ هاهنا: لِمَ كان التركيز على هاته الخصال الأربعة ؟
أمَّا الخَصلة الأولى التي دعا إليها صلَّى الله عليه وسلَّم، فهي: “أفشُوا السلام”، والسلام هو تحيَّة الإسلام، وتحيَّة أهل الجنَّة، وشعارُ المسلمين “السلام عليكم”، فعندما تقرأ على أخيك السلام، فأنت تُذكِّره بالله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ السلام من أسماء الله تعالى الحسنى، ولأنك عند ذلك تُعاهده بأن تكون مُسالمًا له، لا يصدر منك تجاهه أيُّ أذًى أو ضر، فتُلقي السلام على مَن عرَفت وعلى مَن لا تعرِف؛ لتزول تلك الوحشة بين الناس.
وأمَّا الخَصلة الثانية التي دعا إليها صلَّى الله عليه وسلَّم، فهي: “وأطعِموا الطعام”؛ أي: ابذلوه لمَن يحتاجه، ولم يقُل: الكساء؛ لأن الناس إلى الطعام أحوج، قال تعالى: ” وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ” المدثر: 44، وهو محمود أبدًا؛ لكنه في زمن الهجرة وقد ترك المهاجرون كلَّ ما يملكون في مكَّة – أحمدُ وألزم؛ فكيف تُغطَّى حاجة أولئك الوافدين على المدينة من الطعام إن لم يبذله لهم إخوانهم.
وأمَّا الخَصلة الثالثة التي دعا إليها صلَّى الله عليه وسلَّم، فهي: “وصِلوا الأرحام”، التي حذَّر الله تعالى من قطعها حين قال: ” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ” محمد: 22، ولا شكَّ أن المجتمع حتى يكون متماسكًا وقويًّا يجب أن تكون علاقاته متينةً، وخاصَّةً بين أفراد الأسر المكوِّنة له، وتتَّسع الدائرة لتشمل الأقارب المُحيطين بالأسر حتى تشمل القبيلة والعشيرة.
وأمَّا الخَصلة الرابعة التي دعا إليها صلَّى الله عليه وسلَّم، فهي: “وصَلُّوا باللَّيل والنَّاسُ نيامٌ”؛ يعني: قيام الليل ومناجاة الله تعالى؛ يقول الله تعالى: ” تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ” السجدة: 16.