إن من المؤسف حقاً أن بعض أهل الإسلام لم يقدروا رسولهم صلى الله عليه وسلم حقَّ قدره حتى وهم يتوجهون إليه بالحب والتعظيم، ذلك أنه حبٌّ سلبي لا صدى له في الواقع، ولا أثر له في السلوك. تأملوا هديه وشمائله عليه الصلاة والسلام في جوانب الدين والدنيا بأسرها. في مجال توحيده لربه صدَع بالتوحيد ودعا إليه ثلاث عشرة سنة بمكة وعشرا بالمدينة، ولذلك فإن أول واجب على محبيه أن يُعنَوا بأمر الدعوة إلى توحيد الله التي قامت عليها رسالته عليه الصلاة والسلام، ومحاذرةِ كلِّ ما يخدش صحيح المعتقد وصفو المتابعة، من ضروب الشركيات والبدع والمحدثات. وفي مجال عبوديته صلى الله عليه وسلم لربه قام من الليل حتى تفطرت قدماه، فيقال له: تفعل هذا وقد غَفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول: “أفلا أكون عبداً شكوراً؟!” أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي مجال الأخلاق نجده صلى الله عليه وسلم في قمة الكمال البشري في رقة القلب، وسماحة اليد، وكفِّ الأذى، وبذل الندى، وعفة النفس، واستقامة السيرة. كان عليه الصلاة والسلام دائم البشر، سهل الطبع، ليّن الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح. وقد نال أعظم شهادة في الأخلاق، بقوله تعالى: ” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ” القلم: 4، ومن الشهادات التي نالها من ربه؛ قوله تعالى: ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ” الأنبياء: 107. وقال لقريش حينما فتح مكة وقد تمكن منهم: “ما تظنوني أني فاعلٌ بكم؟” قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابن أخ كريم، قال: “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، اذهبوا فأنتم الطلقاء”. إن هذه الشمائل المحمدية والسجايا النبوية ينبغي أن يكون لها تأثير عملي في إصلاح المنهج، وأثرٌ تطبيقي في إحكام المسيرة، في عصرٍ كثرت فيه المتغيرات، وتسارعت فيه المستجدات، وتضاعفت فيه الفتن والمشتبهات.