في رحاب السيرة النبوية… معاملته صلى الله عليه وسلم للناس

في رحاب السيرة النبوية… معاملته صلى الله عليه وسلم للناس

من معاملته للناس صلى الله عليه وسلم أنه لم يُجابه أحدًا قطُّ بما يكره حياءً وكرمَ نفْسٍ؛ فإذا أتى أحد ما لا يُحبُّ، تغيَّرَ وجهُه وعُرف ذلك منه، وإذا بلغه عن أحد ما يَكرهه، لم يَقُل: ما بال فلان يقول كذا؟ ولكن يقول: “ما بال أقوام يَصنعون كذا أو يقولون كذا؟، يَنهى عن الشيء ولا يُسمي فاعله، دخل عليه رجل به أثر صُفرةٍ كَرهها، فلمَّا خرج قال: “لو قُلتم له يَغسِل هذا”. ولم يكن لشدة حيائه يُثبت بصرَه في وجه أحد، وكان يُكني عما اضطره الكلام إليه مما يكره، وما عُرِف عنه تصريح بمباشرة النساء قطُّ، اللهمَّ إلا في حدود الله عز وجل كما في حديث الذي اعترف بالزنا وجاء إليه ليُطهِّره بإقامة الحد، فقال له: “لعلك قبَّلت أو غمَزت أو نظرتَ” فلمَّا رآهُ مُصرًّا قال: “أفعلت كذا؟” لا يُكني، وسبب هذا التصريح الذي لا مناص منه أنه كان يدرأ الحدود بالشبهات.

وما رئي مادًّا رِجله بين أصحابه قط، وما كان في جِدِّه ومزحه فاحشًا ولا متفحشًا ولا سخابًا بالأسواق، وما جزى بالسيئة سيئةً، ولكن كان يعفو ويصفح، وما انتقم لنفسه قط إلا أن تُنتَهك حرماتُ الله، وكان يبدأ أصحابَه بالسلام والمُصافَحة، ولا يَنزِع يده قبل أن ينزعها مَن صافَحه، وربما استوقفته الأمَة أو العَجوز في الطريق وكلَّمتْه، فلا يَنصرِف قبل أن تَفرغ مِن حَديثِها. وما مسَّت يدُه يدَ امرأةٍ قطُّ إلا أن تكون زوجًا أو مَحرَمًا، وما ضرَبَ بيدِه الشريفةِ خادمًا ولا امرأةً، وخدَمه أنس رضي الله عنه عشر سنين مدة إقامته بالمدينة فما قال له مرةً: أفٍّ! ولا لشيء صنَعه: لمَ صنعتَه؟ ولا لشيء تركه: لمَ تركتَه؟.