من الدعائم الهامة التي قام بها النبي صلوات الله وسلامه عليه في بنائه للدولة المسلمة الوليدة والجديدة في المدينة المنورة بعد هجرته إليها، إقامته وتنشئته للمجتمع على أساسٍ من الحب والأخوة بين أفراده جميعا المهاجرين والأنصار، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، وذلك حتى يتلاحم المجتمع ويصبح يداً واحدة، وتذوب فيه الفوارق، ويتحقق فيه التكافل الاجتماعي، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” رواه البخاري، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” رواه البخاري. وقد تكفلت تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليه ـ من المهاجرين والأنصار ـ بتدعيم مشاعر الحب وتقوية أواصر الأخوة والصحبة فيما بينهم، فتلقى الأنصار أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بالحب والفرح، والسمع والطاعة، وفتحوا قلوبهم ودورهم لإخوانهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ” قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: لا، فقالوا: تكفوننا المؤونة ” السقي والعمل ” ونشرككم في الثمرة، فقالوا سمعنا وأطعنا” رواه البخاري، وقابل المهاجرون إيثار إخوانهم من الأنصار بحب وتقدير لصنيعهم، رافضين أن يكونوا عالة على أولئك الذين أحبوهم وآووهم وقاسموهم.
وما مِنْ سبيل يزيد من حب الصحابة لبعضهم البعض إلا أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم وحثهم عليه، وما من طريق يؤدي إلى الشحناء والبغضاء بينهم، إلا نهاهم عنه وحذرهم منه، وقد تفتر العلاقة بين المسلم وأخيه أو تنقطع لخلاف في أمر ما، أو نتيجة للحظة غضب بينهما، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حفاظا على الأخوة والحب بين أفراد المجتمع، وقد حرص النبي صلوات الله وسلامه عليه في بنائه للدولة الإسلامية الجديدة في المدينة المنورة على تعميق معاني الحب في الله،