لقد كانت حياة النبي قبل البعثة مثالاً رائعاً في الخُلق العظيم والسلوك القويم، في النظرية والتطبيق، فكانت سيرته تطبيقاً عملياً لما حملته نفسه الشريفة من أخلاق كريمة، يدلنا على ذلك هذه الصفحات الناصعة من سيرته قبل البعثة. عاش النبي صلى الله عليه وسلم حُرًّا كريماً يأكل من عمل يده، فما إن شَبَّ حتى خرج إلى البادية راعياً للغنم، فكان صلى الله عليه وسلم يرعى الغنمَ لأهل مكة على قراريط، فعمل في رعي الغنم، ثم انتقل صلى الله عليه وسلم إلى التجارة، فعمل بها وشارك الناس في التجارة، وكان ممَّن شاركهم رجل يُدعى: “السائب بن أبي السائب المخزومي”، فكان خير شريك له، لا يُداري ولا يُماري، وجاءه يوم الفتح فرحب به، وقال: مرحبًا بأخي وشريكي.
وفي هذه الفترة اشتهرت عنه أمانته، كما اشتهر بصدقه، فلقَّبه الناس بالصادق الأمين، ولعل هذا ما دفع أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، أن تدعوه إلى أن يخرج بمالها متاجراً إلى بلاد الشام. فقد ذكر ابن هشام: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره خرج تاجراً إلى الشام في مال خديجة، وكانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قوماً تجاراً، فلمَّا بلغها صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه فبعثت إليه، وعرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تُعطي غيره من التجار، مع غلام لها اسمه “ميسرة”، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، تأمل أخي الكريم في أسباب اختيارها النبيَّ صلى الله عليه وسلم، إنها الأخلاق والأمانة وحسن المنطق والسلوك.