من الدلائل والبشائر على نبوته صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، حديث بعض علماء أهل الكتاب من الأحبار والرهبان بقرب بعثة النبي الخاتم المنتظر، وقد ذكروا بعض صفاته والتي تتطابق مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بما علموه من كتبهم قبل تحريفها. ومن ذلك ما ذكره ابن هشام في السيرة النبوية وصححه الألباني، عن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا: “إن مما دعانا إلى الإسلام ـ مع رحمة الله تعالى وهداه لنا ـ لما كنا نسمع من رجال يهود، كنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن، نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم. فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزلت هذه الآية: “وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الكَافِرِينَ” البقرة:89.
وفي كلام هرقل ملك الروم والنجاشي ملك الحبشة ـ اللذان كانا يدينان بالنصرانية ـ دليل على علمهما ببعض علامات وبشارات وصفات النبي صلى الله عليه وسلم من أحبارهم وعلمائهم، وكتبهم الصحيحة قبل تحريفها، فقد قال هرقل لأبي سفيان: “إن كان ما تقول حقاً في ِذْكر أبي سفيان بعض صفات النبي فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ” رواه البخاري، وفي رواية مسلم ” لأحببت لقاءه”. أما النجاشي ملك الحبشة، فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية قوله لجعفر رضي الله عنه: “ما يقول صاحبكم “محمد” في ابن مريم؟ قال جعفر: يقول بقول الله فيه: “هو روح الله وكلمته، أخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر، ولم يفرضها ولد، فتناول النجاشي عوداً من الأرض ورفعه وقال: يا معشر القسيسين والرهبان، ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ولا وزن هذه .. مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى، امكثوا في أرضي ما شئتم”.