يؤلِمُني أن أضعَ هذا العنوان لهذه المقالة، لولا أنِّي أردتُ به إشارةً إلى ذلك الواقع المؤلِم في هذه المناسبة، وكيف الخروجُ منه. إنَّ ما نراه من زينات شكليَّة، أو احتفالٍ بأكل الحلوى، أو إحياء اللَّيالي، بالتغنِّي في جَماله صلَّى الله عليه وسلَّم والحديث عن نوره، والرَّقص الذي يُسمُّونه الذِّكْر… إلخ مما يدور في تلك البلاد الإسلاميَّة، كلها أشياء ومظاهر سطحيَّة، لا تُغيِّر شيئًا في باب الفضيلة والأخلاق، ولا تصل إلى تجميل النَّفس، وإصلاحها، وأخذها بآدابه صلَّى الله عليه وسلَّم وبأخلاقه كما لا تَبْلغ بالنَّفس مبلغ البطولة التي كان يتحلَّى بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. إنَّ الألْيَق بنا في هذه الذِّكرى المَجيدة أن نَستعرض العامَ إلى العام، ونأتي في هذا اليوم ننظر ما قُمنا به من أعمالٍ، أو اجتازَتْه أمَّتُنا من مفاخر العزَّة والخلود، وما قطعَتْه من أشواطٍ في طريق بِناء مجد الأمَّة، وفي سبيل توطيد أركان بناء الإسلام.
أنا لا أقول بأنَّ ميلاد الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم هو يوم معيَّن، أو شهر معيَّن، وإنَّما هو كل يوم، وكل شهر، يجب أن نَذْكر هذه الذِّكرى الطيِّبة في كل يوم وفي كل شهر، ونعرف أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّما جاء لِيُخرج النَّاس من الظلمات إلى النور بإذن ربِّه؛ لقد كان العرب في جاهليَّةٍ جَهْلاء، وغطرسة ظالِمة، وعبادةٍ للأصنام، وبُغضٍ للعدل، وإقبالٍ على الشر، وإدمانٍ للخمر، ووأدٍ للبنات، وفي طبقيَّة أثارت البَغضاء بين الأغنياء والفقراء، وأنانيةٍ لَم تسكت الحرب بين مختَلِف القبائل. فجاءَهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بِهَديه، وإيمانه وإسلامه بِما اشتملَ عليه مِن مُثلٍ عُليا، وقِيَم في الخلق، وطريق التَّعامل النبيل، وبِما امتازَ به من تشريعاتٍ أحالَتْ ذلك المجتمعَ الظالم إلى مجتمع العدل والإخاء والمساواة. هذا ما يجب علينا أن نعيش فيه دائمًا، وأن نَذْكر بعثة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وميلاده بهذه الأمجاد وهذه الحيويَّة، وهذه الرحمة وهذه الهداية والنُّور، وأن نعرف دائمًا أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم جاء رحمةً للعالَمين: ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ” الأنبياء: 107، وأنَّ مضمون هذه الرحمة، هو ما جاء به الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم من أخلاقٍ، وتشريعات ونظُم، كفيلةٍ بإيجاد أسعد حياة وأعَزِّها.