في رحاب السيرة النبوية.. فوائد من صلح الحديبية

في رحاب السيرة النبوية.. فوائد من صلح الحديبية

في صلح الحديبية فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عقد الصلح ثم قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم: “قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا”، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا” رواه البخاري.

وبالتأمل في حال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلب من الصحابة رضي الله عنهم بالتحلل من العمرة، وقد تأخر الصحابة رضي الله عنهم عن إقدامهم عن حلقِ رؤوسهم يوم الحديبية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشورة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في قضية تهمُّ المسلمين، وكانت سببًا في إجلاء الحزن عن نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما يستفاد أيضًا: أن التصريح بالعمل أبلغ من التصريح بالكلام، والسبب في ذلك أن الكلام ربما يحتمل الخطأ في فهم سامعه، وأن العمل أبلغ في الإرشاد والهداية. فمهما كان للقول من تأثير، فإن الفعل أقوى تأثيرًا، ومخالفة القول العمل محل استنكار في الدنيا، وسبب للعذاب يوم القيامة.

فعن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ” رواه البخاري. فمما ينبغي على المربي والداعية أن يدعو الناس بأخلاقه، وأعماله أكثر من دعوته لهم بأقواله، وصاحب القدوة الحسنة في حاجة ماسة إلى التطبيق العملي لما يقول حتى يقتدي الناس به عن طريق القدوة العملية.