في رحاب السيرة النبوية.. غزوة حمراء الأسد

في رحاب السيرة النبوية.. غزوة حمراء الأسد

من الصعب أن نعتبر غزوة حمراء الأسد حدثاً مستقلاً عن غزوة أحد ، ولكنّها امتدادٌ طبيعيٌّ وصفحةٌ أخيرةٌ  للمواجهة التي تمّت بين قريشٍ وحلفائها من جهة ، وبين المسلمين من جهة أخرى ، والتي انتهت بتسليم المسلمين رايةَ النصر لخصومهم ، ثمناً لمخالفتهم أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسبب هذه الغزوة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أحسّ بما يقاسيه أصحابه من مرارة الهزيمة ، وما يشعرون به من إحباط  فأراد أن يواسيهم في مُصيبتهم ، ويمحو اليأس من قلوبهم، ويعيد إليهم روح التفاؤل والثّقة. ولم يكن ذلك هو السبب الوحيد ، فإن خروج النبي صلى الله عليه وسلم بجيشٍ مُثقل بالجراح هو خير رسالة للأعداء بأن المسلمين لا زالوا أعزّة قادرين على المواجهة وأن جراحهم وآلامهم لا يمكن أن تعوقهم عن مواصلة الجهاد والقتال ، وأنّ فرح المشركين بالنصر الذي أحرزوه لن يدوم طويلاً. لذا ، استقرّ رأي النبي صلى الله عليه وسلم على حتمية المواجهة مرّة أخرى ، فأصدر أوامره في اليوم التالي لمعركة أحدٍ بالاستعداد لملاقاة العدوّ ، وأمر بلالاً أن ينادي في الناس بضرورة التعجيل ، ولم يكن الأمر عامّاً لجميع المؤمنين ، بل كان مقصوراً على أولئك الذين شهدوا معركة أحد، تأكيداً لصلابتهم وقدرتهم على مواصلة القتال. واستجاب المؤمنون لدعوة الجهاد ، وانطلقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم متحمّلين في ذلك جراحاتهم وآلامهم ، حتى إنّ بعضهم كان يحمل أخاه على ظهره إذا عجز عن السير ، وسجّل القرآن لهم ذلك فقال سبحانه : “الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم” آل عمران : 72. وفي ذلك الوقت ، كان أبو سفيان وقومه يتلاومون فيما بينهم ، كيف يعودون إلى مكة دون أن يقضوا على المسلمين ؟ ، وبينما هم في حديثهم إذ أقبل عليهم ذلك الخزاعي، فسألوه عن حال المسلمين ، فذكر أنهم قد خرجوا بجيشٍ عظيم ، ونفوسٍ غاضبة ، يريدون الانتقام لقتلاهم ، ونصحهم بأن يرجعوا إلى مكّة ، وحينها انهارت عزائم المشركين ، وأصابتهم الذلة والمهانة ، فقرّروا العودة .