في رحاب السيرة النبوية.. رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأسرى

في رحاب السيرة النبوية.. رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأسرى

في الوقت الذي كانت فيه الحروب الجاهلية لا تعرف أيسر قواعد أخلاقيات الحرب، ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بمبادئه العسكرية؛ ليشرِّع للعالمين تصوراً شاملاً لحقوق الأسرى في الإسلام. وفي هذا العصر الحديث، الذي نرى فيه المنظمات الدولية قد شرَّعت بنوداً نظرية – غير مفعَّلة ولا مطبَّقة – لحقوق الأسرى، كاتفاقية جنيف، بشأن معاملة أسرى الحرب، ورعايتهم جسدياً ونفسياً. وخير دليل على عدم تطبيق هذه الاتفاقيات، ما فعله الصرب بمسلمي البوسنة والهرسك وكوسوفا، من مذابح يندى لها جبين البشرية، في حين نرى رسولنا صلى الله عليه وسلم يشرِّع قبل هذه المنظمات بمئات السنين حقوقاً شاملة وجامعة للأسرى، أضف إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل هذه الحقوق بنوداً نظرية بعيدة عن واقع الحروب كما هو الحال في عصرنا بل جعلها منهجاً عملياً، وطبقها بنفسه في غزواته، وطبقها الصحابة والتابعون من بعدهم في السرايا والمعارك الإسلامية.

إن في إكرام النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى، مظهراً فريداً من مظاهر الرحمة، في وقت كانت تُستَباح فيه الحرمات والأعراض. وكثيراً ما أطلق صلى الله عليه وسلم سراح الأسرى في سماحة بالغة، برغم أن عددهم بلغ في بعض الأحيان ستة آلاف أسير. يقول الكاتب لويس سيديو: “والكل يعلم أنه صلى الله عليه وسلم رفض بعد غزوة بدر رأْيَ عمر بن الخطاب في قتل الأسرى، وأنه صفح عن قاتل عمِّه حمزة، وأنه لم يرفض قط ما طُلب إليه من اللطف والسماح”. وحين أُتي بالأسرى بعد بدر فرَّقهم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وقال: “استوصوا بهم خيراً” ، وبهذه الوصية النبوية الرفيعة، تحقق في هذا الجيل الإسلامي قول الله تعالى: ” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ” الإنسان: 8. وأطلق يوم فتح مكة جماعة من قريش فكان يقال لهم: “الطلقاء”. فهذه نماذج، تبين لنا مدى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأسرى، وهذه المواقف وغيرها تكشف الستار عن شخصية بلغت من السمو والرفعة مبلغاً بعيداً، شخصية تحرك الأفئدة نحوها، بفيض عارم من الرحمة والعفو والسماحة.