في رحاب السيرة النبوية.. رحلة إلى غار حراء

في رحاب السيرة النبوية.. رحلة إلى غار حراء

لقد كانت ساعة مباركة شهدها هذا الغار الكريم المبارك الذي بدأ نزول الوحي فيه، يقرر التوحيد والإيمان باليوم الآخر، وينظم حياة الإنسان تنظيمًا يحقق له سعادة الدنيا والنجاة والفوز في الآخرة.. لقد هزَّت كلمة التوحيد الدنيا كلها، وغيرت مجرى التاريخ.. ودفعت الإنسان إلى الأمام، وحرَّرته من المظالم والأوهام، وجعلته يُحِسُّ بإنسانيته. حقًّا لقد كانت الليلة التي كان فيها هذا الحديث العظيم خيرًا من آلاف الليالي العادية، قال تعالى: ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ” القدر: 1 – 5، إنَّ هذا الغار بقعة صغيرة كانت أوسع بركة على الدنيا من عدد من بقاع الأرض.. لقد اتسع لجلال الوحي وسموّ الرسالة. أخرج البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي: الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنَّثُ فيه – أي: يتعبد – الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: “ما أنا بقارئ”، قال صلى الله عليه وسلم: “فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني وغطني الثالثة، ثم قال ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” العلق: 1 – 5. بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، مِن متمرِّد على الضلال والجهل والباطل.. كان يرتضي المقام في هذا الغار، ويُؤْثِرُ الإقامة فيه على الإقامة في أهله وبين زوجته وأولاده وعشيرته، ويبقى في هذا الغار الليالي ذوات العدد.