في رحاب السيرة النبوية.. حوار النبي مع المشركين

في رحاب السيرة النبوية.. حوار النبي مع المشركين

مشى أبيّ بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظام رميم، وهو يفتّه ويذروه في الهواء، وهو يقول: يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا؟ قال __ صلى الله عليه وسلم : نعم يميتك الله تعالى، ثم يبعثك ثم يحشرك إلى النار” وفي رواية أخرى: إن العاص بن وائل أخذ عظما من البطحاء ففتّه بيده، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيحيي هذه الله بعد ما أرى؟ قال رسول الله: نعم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك جهنم “_ وقد أنزل الله تعالى فيهما:__ ” وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ” يس: 78، 79.

الموقفان السابقان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أبي بن خلف والعاص بن وائل يبرهنان على طبيعة الكفر الذي كان عليه المشركون، وليست المسألة كما تقدّم في حوارهم مع الرسول، وطلباتهم الدنيوية، إنهم ينكرون أسس الإيمان بالله تعالى من بعث وحساب وجنة ونار، وهؤلاء لا ينفع معهم أي إقناع مادي، لأن قلوبهم مغشاة بالكفر، وعيونهم مظلمة عن الحق، لذا جاءت إجابة الرسول عكس ما يتوقع القائل فيحاوره بالعقل، ولكن لا حوار يصلح مع هذه القلوب المقفلة، وإنما ثبات اليقين، ورسوخ الإيمان، وقد ظهرا في رد الرسول بثقة، حيث أكد للاثنين أن الله سيميتهما ثم يحييهما ثم يدخلهما النار، وصدق الرسول، فقد ماتا كلاهما دون إيمان، وإن أمن من خرج من أصلابهم، مثل إيمان عمرو بن العاص بن وائل رضي الله عنه.

وقد نزلت الآية الكريمة المذكورة، تقدم الرد بإقناع، فإن الله يحيي العظام وهي نخرة بالية، فهو خلقها في المرة الأولى، وسيعيد تكوينها ثانية، فإن البرهان المقدم من الآية بسيط للعقل، وحينما رد الرسول بثقة ويقين على الكافرينِ، فإن القرآن تكفل بالرد العقلاني، ليوضح أن الأساس في الأمر الإيمان بالله تعالى: خالقنا في أولنا، ومحيينا يوم البعث.