في رحاب السيرة النبوية.. حب النبي صلى الله عليه وسلم للخلوة

في رحاب السيرة النبوية.. حب النبي صلى الله عليه وسلم للخلوة

لما اقترب النبي صلى الله عليه وسلم من الأربعين من عمره، وقبيل نزول الوحي عليه، حبَّب الله تعالى له الخلوة، فاتخذ غار حراء مكانا للخلوة والتفكر، وحراء جبل يقع في الجانب الشمالي الغربي من مكة، قال ابن القيم في زاد المعاد فيما ذكره عن عائشة رضي الله عنها: “ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة, فجاء الملَك وهو بغار حراء, وكان يحب الخلوة فيه”. وكان يتزود لخلوته لبعض ليالي الشهر، فإذا نفد ذلك الزاد رجع إلى أهله يتزود قدر ذلك، فعن عائشة رضي الله عنها قالت “فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثلَ فلَقِ الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغارِ حِراء، فيتحنَّث فيه – وهو التعبدُ – الليالي ذواتِ العددِ قبل أن ينزعَ إلى أهله، ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجةَ فيتزوَّد لمثلها، حتى جاءه الحقُّ وهو في غارِ حراء” رواه البخاري. قال ابن أبي جمرة فيما نقله عنه ابن حجر في فتح الباري: “الحكمة في تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالتخلي في غار حراء أن المقيم فيه كان يمكنه رؤية الكعبة، فيجتمع لمن يخلو فيه ثلاث عبادات: الخلوة، والتعبد، والنظر إلى البيت”. ولا شك أن هذه الخلوة التي حُبِّبَت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، كانت من تدبير الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم لما ينتظره من أمر عظيم، وهو بداية نزول الوحي عليه. ولقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته ونزول الوحي عليه بمراحل من التهيئة والإعداد، وظهرت له الكثير من مقدمات ومبشرات النبوة، من الرؤيا الصادقة والصالحة التي كان يراها في نومه، وسلام الحجر عليه ووصفه له بالرسالة والنبوة، وحبه للخلوة، ورؤيته لنور، إلى غير ذلك من المقدمات والمبشرات التي حدثت معه في طفولته وشبابه، وقبيل بعثته ونزول الوحي عليه.