في رحاب السيرة النبوية.. حادثة سراقةُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

في رحاب السيرة النبوية.. حادثة سراقةُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

 

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة، يتوجَّه إلى الله بكلماته، ويَستجلِب نصرَ الله بآياته، ويتحصَّن ضدَّ الشدائد بقرآنه: ” وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ” يس: 9، خرج من بين أيديهم بعد أن نثَر التراب على رؤوسهم، ” وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” الأنفال: 17، وصَل صلى الله عليه وسلم الغارَ مع صحبه، فوصلوا من خلفه، فقال أبو بكر: “لو نظر أحدهم إلى قدمه لرآنا”، وهنا يتجلَّى عنصرُ الثقة بالله واصطحاب معيَّة الله؛ فلا يُتوجَّه إلا إليه، ولا يُستعان إلا به، ولا يُتحصَّن إلا بالركون إليه وحده، كيف؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا”. ولما دنا سراقةُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة يريد رأسَه ليُسلمها لقريش من أجل المائة ناقة، قال له أبو بكر: الطلبُ وراءنا يا رسول الله، قال: ” لا تخف” قال: الطلب قاب قوسين، فقال صلى الله عليه وسلم متحصِّنًا بالدعاء إلى الله: “اللهم اكفنيهم بما شئتَ” فلما دنا سراقة غاصت قوائمُ فرسه في الأرض، أو عَثَرت به وسقَط عنها، فنادى: يا محمد، ادع ربَّك كي ينجيني مما أنا فيه، ولن يصيبك مني أذى، وأصبح حارسًا لرسول الله يَرُدُّ قريشًا عنه قائلاً: لقد كفيتُكم هذا الطريقَ، اطلبوه في غيره.

وانتصر رسولُ الله عندما تَحصَّن بالله ودعائه وقرآنه في معركة لم تُرق فيها قطرة دم واحدة، ولم يلتقِ فيها سيفان، لكنه النصر الحقيقي بعد أن تسلَّح بالتحصين الرباني، كيف؟ ” إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ” التوبة: 40، هذا اتساع لأُفُق النصر في حياة أهل العقيدة، فالثبات على المبدأ نصر، والالتزام بالحق نصر، والوصول للهدف نصر، سُمِّيت الهجرة نصرًا، والذي تحقَّق بالفعل، لكن لمن؟ لأقل جيش، “اثنين” في مكان ضيق “الغار”، كيف؟ ” بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ” التوبة: 40، لا عدد ولا عتاد، إنما كانت القوة في الثقة بالله، والثبات على مبادئ الحق، والتضحية في سبيل الله.